من بنى مدرسة بنى الله له بيتاً في الجنة’ حين يجرؤ شيخ مصري على ‘عصرنة’ حديث نبوي ويثير ضجة عبر مواقع التواصل!

كثيراً ما طالب علمانيون وليبراليون مصريون بتوجيه الأموال الضخمة التي تنفق في بناء المساجد إلى قطاعي التعليم والصحة اللذين يواجهان نقصاً كبيراً في الموارد، لكن أن يأتي هذا المطلب من داعية إسلامي، فقد كان هذا مفاجئاً بالنسبة الى كثيرين.
وقال الشيخ أحمد تركي في لقاء إعلامي: “نحن لدينا 150 ألف جامع، لدينا في مصر 3 آلاف مستشفى، و56 ألف مدرسة. فنحن بحاجة الى بناء المدارس، والمستشفيات، وتجهيز المستشفيات الفقيرة الموجودة في القرى”.
ومثلما أدهش رأي الداعية المصري العديد من المتابعين، استوقف التصريح مقدم برنامج “القاهرة اليوم” الإعلامي جمال عنايت، الذي كان تركي ضيفاً عليه حين أدلى بهذا الرأي، ما جعل عنايت يعلق قائلاً إن التصريح “سوف يغضب الناس… سيقولون بيوت الله”.
وأوضح الداعية أنه “حين قال النبي محمد: من بنى مسجداً بنى الله له بيتاً في الجنة، كان في الجزيرة العربية 3 أو 4 مساجد، وكان عدد المسلمين في ذلك الوقت 120 ألفاً، فكم يستوعب كل مسجد؟ نحن اليوم 100 مليون نسمة، ويوجد لدينا 150 ألف جامع”.
ويرى تركي أن مصر “وصلت في المساجد إلى حد الكفاية” في حين أنها “بحاجة إلى عشرات الآلاف من المستشفيات في النجوع والقرى” لأن هناك 3000 مستشفى فقط تخدم 100 مليون نسمة.
السياق الذي وضع فيه الداعية الإسلامي حديث النبي عن بناء المساجد، مغاير لما هو مشهور في مصر، على مر العقود الماضية، فهذا الحديث طالما استخدمه جامعو التبرعات في الشوارع والميادين العامة والمساجد وغيرها، لجمع التبرعات من الأغنياء والفقراء على حد سواء.
فهم الأحاديث
يقول أستاذ الدراسات الإسلامية في جامعة ماربورغ الألمانية الدكتور عاصم حفني لـ”النهار العربي”: “كيف نفهم الحديث النبوي… الأحاديث هي التجربة النبوية البشرية في فهم النص القرآني وإسقاطه على الواقع، وتعتبر حياة الرسول (صلى الله عليه وسلم) وسنّته، نموذج للتطبيق العملي لفهم الدين”.
ويضيف حفني الذي هو أيضاً أستاذ في جامعة الأزهر: “كثير من العلماء على مر الزمان مثل الإمام القرافي في “الإحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام”، نظروا إلى الرسول من ناحيتين، الأولى الجانب العقائدي، وفيه يبلغ النبي رسالة سماوية توحى إليه، وهو في هذا معصوم، أما الأخرى فهي ناحية دنيوية، يتصرف فيها الرسول في شؤون اجتماعية وإدارية كبشر، وهنا ينظر إلى تلك التصرفات من واقع الظروف المحيطة وتراكم الخبرات، وتخضع تلك الأحكام البشرية للصواب والخطأ والتغيير”.
ويؤكد أستاذ الدراسات الإسلامية أن “هناك أحاديث كثيرة تدل على أن الأمور الدنيوية تخضع لتراكم الخبرات والعلوم، ومنها حديث تأبير النخل (الذي قال فيه النبي أنتم أدرى بشؤون دنياكم)”.
ويشير حفني إلى أن “ما يهمنا هنا هو أن الأحاديث التي تتعلق بتنظيم الشأن الدنيوي خاضعة للمكان والزمان ولا بد من أن يدرس ويعرف سبب ورودها ومقاصدها. ولو أسقطنا هذا على بناء المساجد في عصرنا هذا، سنجد بالفعل أن بناء المستشفيات والمدارس أهم بكثير من بناء المساجد”.
“هذا الرأي يستند من الناحية العقائدية إلى أن النبي أشار إلى أن الأرض جعلت له مسجداً وطهوراً، ومن ثم أينما يدرك المسلم الصلاة، يمكنه أن يتوضأ أو يتيمم ويصلي” يقول الأستاذ في جامعة ماربورغ، ويضيف: “أما من حيث ربط النص بالواقع فالحديث الذي قال فيه النبي من بنى مسجداً بنى الله له بيتاً في الجنة، لا بد أن يفهم في سياقيه الديني والدنيوي”.
السياق الديني، وفق ما يقول حفني “يتعلق بربط فهم هذا الحديث بحديث أن الأرض جميعها مسجد وطَهورة للمسلمين، أي أن كثرة المساجد ليست ضرورة دينية يتوقف عليها بقاء الإسلام. وبالنسبة الى العبادة فيمكن للإنسان المسلم أن يتعبد في أي مكان، ومن ثم ليس ضرورياً أن يتوافر كل هذا الكم الهائل من المساجد الفخمة”.