الإرتطام#الدّماري الكبير…لا بدّ من منعطف #خطير في ظل بقاء المعطيات #السلبية على ما هي!!
كتب منير يونس في “نداء الوطن”:
سمعنا الكثير عن الإنهيار الكبير، والإرتطام الكبير، وجهنم وبئس المصير… عبارات وتوصيفات متداولة مكرّرة منذ أواخر 2019 حتى تاريخه. ثم سمعنا كلاماً عن قدرة اللبناني على التأقلم، ومقاومته المصائب عموماً والإقتصادية منها على وجه الخصوص.
في أوائل العام 2020، قيل إنه إذا ارتفع سعر صرف الدولار إلى أكثر من 3 آلاف ليرة فسنرى الناس في الشوارع يركضون في كل اتّجاه، وتكرّر الكلام عينه عن دولار بـ10 آلاف ثم 20 و30 ألفاً… وصولاً الى 60 ألف ليرة! رغم ذلك بقيت الجماهير الغفيرة الغفورة في بيوتها، ولا يغضب إلا نزر يسير من الفقراء بين الفينة والأخرى في نزلات نادرة سريعة إلى الطرقات سرعان ما تتحوّل الى مشهد في نشرة تلفزيونية أو صورة في جريدة وكان الله يحبّ المحسنين.
لكن استمرار الحال من المحال، ولا بدّ من منعطف خطير في ظل بقاء المعطيات السلبية على ما هي، لا بل توقّع انحدارها أكثر في الأشهر المقبلة. فماذا ينتظرنا في 2023 لنقول إنه عام الارتطام الكبير؟
أولاً: استمرار الإنقسام السياسي الحاد والخطر حول انتخابات رئاسة الجمهورية سيدفع “حزب الله” وحلفاءه الى فرض خيار يلوي أذرع كل اللبنانيين الآخرين. فتزداد عزلة لبنان إقليمياً ودولياً، وتتفاقم أزمته الاقتصادية أكثر من ذي قبل.
ثانياً: سيناريوهات الاتجاه شرقاً ونظريات فك الحصار… ما هي إلا شعارات تشبه “ما خلونا” لإدارة الإنهيار بدعوات الصبر والتحلي بالبصيرة، يتولّاها من يرفض الدعم إلا بشروطه، ويأخذ البلد برمّته الى محور المقاومة والممانعة في الخيارات السياسية والأمنية من دون التخلي عن طلب الإفادة من المال الخليجي والغربي! لأن “المحور” من موسكو الى طهران مروراً بدمشق وبغداد يعيش أحد أسوأ أوضاعه التاريخية. على هذه الحال، سيستمر الانهيار وتشتد مآسيه خصوصاً على أصحاب المداخيل بالليرة. وحتى الأسر التي تصلها بعض الدولارات ستجد نفسها قاصرة عن العيش الكريم في بلد تتردّى أوضاع بناه التحتية، وإدارته العامة مشلولة، وقضاؤه مصادر القرار من متسلطين وبلطجية، فضلاً عن التضخم المفرط الذي سيجتاح البلاد عندما يعلن مصرف لبنان مباشرة أو غير مباشرة أنه بات غير قادر على قيادة السوق النقدية على النحو الفاعل والمجدي في استدامته.
ثالثاً: سيزداد تمسك عدد من الدول العربية والأجنبية المهتمة لأمر لبنان بضرورة تنفيذ الإصلاحات التي يطلبها صندوق النقد الدولي. وبالتالي لا أمل في أفق التعويل على مساعدات وقروض ميسرة. فالمكتوب مقروء من عنوانه بعدما مرّ على الإتفاق المبدئي مع الصندوق نحو 10 أشهر ولا تقدّم يذكر على أي صعيد إصلاحي أساسي. وما من مؤشرات على أي تقدم حقيقي في الأشهر المقبلة وصولاً حتى نهاية العام على الأقل. فمن شبه المؤكد استحالة إقرار التشريعات الواردة في الشروط المسبقة للإتفاق مع الصندوق في هذا المناخ السياسي والطائفي المنقسم حد التشظي الكامل، ومن المستحيلات الوصول الى توحيد أسعار الصرف في ظل تخبّط مصرف لبنان المستمر على أوسع نطاق منذ اليوم الأول لارتفاع سعر الصرف في السوق الموازية أواخر صيف 2019.
رابعاً: تضيق الخيارات أمام مصرف لبنان، بين الصرف من الاحتياطي للجم الصعود الصاروخي لسعر صرف الدولار وتبديد ما تبقّى من فتات حقوق للمودعين، أو الاستمرار في “لعبة” شراء الدولار من السوق الموازية لضخه على منصة صيرفة بسعر أقل وتسجيل الخسارة في ميزانيته المتخمة بخسائر زادت على 75 مليار دولار في المعلن، وأكثر من ذلك في الحقيقة المرة التي يحرص على إخفائها طالما لا تدقيق جنائياً في حساباته. وغني عن القول إن “لعبة” المنصة تفشل في لجم الدولار على نحو مستدام. فهي وإن كانت تلجم قفزاته الهائلة لكنها لم ولن تمنع صعود الدولار في بلاد متعطشة له على كل المستويات لا سيما الاستيرادية منها.
خامساً: لم تعد تنطلي على المودعين “كذبة الودائع المقدسة” رغم تحوّلها من شعار رفعه رئيس المجلس نبيه بري الى ما يشبه الخطاب النيابي الجماعي والشعبوي العابر لكل الأطياف السياسية. فسيبقى الاقتطاع القسري (الهيركات) بين 75 و85% في أحسن الأحوال هذه السنة والسنوات المقبلة. فكل السيناريوهات بين أفضلها وأسوئها لن ترضي المودع، بل هي غالباً في مصلحة المصارف. وما مشاريع قوانين ضبط السحوبات والتحويلات (الكابيتال كونترول) وإعادة الانتظام المالي وهيكلة المصارف إلا عينة مما ينتظر المودع من وعود وهمية له، مقابل تطمينات للبنوك والبنكرجية. أما وعود ثروات الغاز واستثمار أصول الدولة لردّ الودائع من إيراداتها فهي خدعة موصوفة، الهدف منها استمرار هذه المنظومة في مقاليد الحكم الى ما شاء الله لتستطيع الوفاء بوعودها العرقوبية.
سادساً: أفلست موازنة 2022 قبل أن يجفّ حبر إقرارها. ففي 26 أيلول الماضي عندما أقرّت كان سعر الصرف 36 ألف ليرة، وها هو اليوم نحو 60 ألف ليرة بفارق نسبته نحو 60%، أما الضرائب والرسوم التي أقرّت على سعر المنصة لم تعد تساوي شيئاً يذكر، والفارق مع الدولار الجمركي (15 ألف ليرة) هائل لدرجة أن المتوخى من إيرادات جمركية على مدى سنة يذهب في اشهر قليلة لزيادات الرواتب.
سابعاً: ما سبق عن الموازنة ينبئ بأن مصرف لبنان سيطبع للدولة الكثير من الليرات لسدّ عجزها. تلك الطباعة مضافة إلى كميات الليرات المطلوبة ليستمرّ مصرف لبنان في “لعبة” المنصة ستدفع بإجمالي الكتلة النقدية في الأشهر المقبلة الى ما فوق 100 ترليون ليرة، مقارنة مع 6 ترليونات فقط قبل الأزمة. ومن نافل القول إن هناك تلازماً بين سعر الصرف وكمية النقد المتداول، فمزيد من الطباعة يعني مزيداً من هبوط الليرة.
ثامناً: إذا نجحت منظومة الإفلات من العقاب من التجديد لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة في تموز المقبل، فإنّ لبنان يقدم طلباً للإنضمام الى قائمة الدول المارقة، خصوصاً إذا كانت قد وجهت إلى سلامة اتهامات أوروبية بتبييض الأموال، وطُلب إلى المحاكمة وتخلف بحكم حصانته المجددة! خلاف ذلك يتعيّن الإتيان بحاكم جديد يعلن، في ما خص مصرف لبنان، البدء بتنفيذ إصلاحات صندوق النقد بما في ذلك الإفصاح عن كل المعلومات الأكثر من ضرورية لمعالجة الخسائر وتحميل المسؤوليات. وهنا أحد مكامن الممانعة لحلول الصندوق والمقاومة لشروطه.
تاسعاً: مع دولار جمركي يشكل نسبة متدنية قياساً بسعر الدولار في السوق الموازية، وضرائب على أرباح الشركات وعائدات على رأس المال في أدنى مستوياتها كما أكد صندوق النقد في تقرير نشر الأسبوع الماضي، ومع تفشي الاقتصاد النقدي على نطاق واسع يشكل أرضاً خصبة لكل أنواع التهرّب الضريبي… فإن لبنان يتحوّل الى بلد تتفاوت فيه المداخيل بشطرين فاقعين بين طبقات دنيا تشكل 80% من السكان استناداً الى إحصاءات أممية (الأسكوا وغيرها من منظمات الأمم المتحدة) و20% تعيش ميسورة الى غنية تستهلك ما تشاء. هذه المعادلة تعني أن الاستيراد الرخيص (بفعل الدولار الجمركي الذي لا يساوي أكثر من ربع الدولار في السوق الموازية) سيبقى مرتفعاً لخدمة الطبقات الثرية أولاً، ويؤدي ذلك الى تسرب المزيد من الدولارات الى الخارج بما يفاقم عجز ميزان المدفوعات بعدة مليارات سنوياً. وذلك يضغط أيضاً على سعر صرف الليرة ليعمّق معاناة أصحاب المداخيل بالعملة الوطنية.
عاشراً: ربّ قائل إن العام 2023 يمكن أن يمرّ كما مرّت 3 سنوات أزمة قبله طالما هناك 10 مليارات دولار في مصرف لبنان، وطالما يمكن إقرار قانون للتصرف بمخزون الذهب. في ما خص الصرف من الاحتياطي (وهو للمودعين) فإن ذلك يشبه إطلاق آخر خرطوشة على ضباع هاجمة. وأما التصرف بالذهب فدونه خطر كبير، إذ بمجرد شعور حملة سندات اليوروبوندز الأجانب أن هذا المخزون للدولة وليس لمصرف لبنان، فإنهم سيهجمون بدعاوى للحفاظ على حقوقهم، لا سيما أنهم يحملون اليوم أكثر من 75% من تلك السندات التي أعلن لبنان في 2020 التوقف عن سدادها بانتظار توقيع اتفاق مع صندوق النقد يمهّد لإعادة هيكلة الدين العام… السنوات تمرّ وما من أحد يريد أخذ القرارات الصعبة لكن السليمة. في الاقتصاد يمارس الجميع الهروب الى الأمام، وفي السياسة “محور” لا يريد إلا الإمعان في خياراته، حتى لو اقتضى أمر عملياته المشي على جثث كل الآخرين، وتغيير وجه لبنان إلى الأبد، وتحويله من دولة فاشلة الى دولة مارقة.
المصدر: نداء الوطن