فرنجية “يتلو” خطاب برّي: النزاع أبعد من السلطة!
إنتظر البعض من رئيس تيار «المرده» سليمان فرنجية أن يتلو «خطاب قسم» استباقياً، أمس الأوّل، فيصحّح بوصلة ترشحه لرئاسة الجمهورية، لجهة إظهار حدّ أدنى من الاستقلالية عن «الثنائي الشيعي» واعتماد سياسة منفتحة ومرنة انطلاقاً من الدستور الذي يُفترض أن يقسم على التزامه وحمايته في حال انتُخب رئيساً، وإذ به يتلو خطاب رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي دأب على تكراره وهو حصر الاستعصاء الرئاسي بالمسيحيين وبالنزاعات السلطوية.
كسر فرنجية الصمت الرئاسي بتكرار اللازمة نفسها عن تاريخ العلاقات المسيحية – المسيحية، بدلاً من أن يلبس صفة «الحكم»، مثبتاً بخطابه أنّه مرشح «الثنائي»، مهاجماً ومنتقداً كلّ من يعارض انتخابه عبر رمي «لطشات» أو اتهامات مباشرة على هؤلاء. حتى أنّ سهامه طاولت الوزيرين السابقين جهاد أزعور (مرشح التقاطع بين المعارضة و»التيار الوطني الحر») وزياد بارود (المُعتبر أنّه مرشح رئيس «التيار» النائب جبران باسيل)، معتمداً سياسة ضرب الآخرين لتعزيز وضعيته، فيما أنّ تشويه صورة الآخر، وبمعزل عن صحتها، لا تؤدّي إلى تحسين صورته وإخراجها من إطار «الثنائي».
بهذا الخطاب عزّز فرنجية «الرفض» المسيحي لانتخابه رئيساً، وأخرج الاستحقاق الرئاسي من إطار النزاع الوطني – السياسي حاصراً المعركة الرئاسية بأسبابٍ سلطوية، وفق ما ترى جهات سياسية معارضة. فحاول تصوير رفض حزب «القوات اللبنانية» و»التيار» وصوله إلى رئاسة الجمهورية بأنّه رفض «شخصي»، بينما هو أبعد من ذلك، إن بالنسبة إلى «التيار» الذي من أسباب رفضه لفرنجية عدم إحياء «ترويكا» التسعينات أو ما يشابهها، وإن بالنسبة إلى «القوات» والقوى السيادية، التي لا ترفض فرنجية تحديداً بل أي مرشح «ممانع»، إذ إنّ خلافها مع فرنجية ليس شخصياً بل من طبيعة وطنية مع المشروع السياسي الذي يمثّله ويحمله، والذي حاول أن يحيّده في خطابه عن النقاش السياسي فيما أنّه لبّ المشكلة وجوهرها، وهو مشروع الغلبة الذي يمارسه «حزب الله» على اللبنانيين.
حاول فرنجية تصوير الأمر على أنّ المعركة محصورة بأنّ هناك من لا يريده أن يصل إلى السلطة، مورداً أمثلة على ذلك، أبرزها أنّ «القوات» انتخبت العماد ميشال عون رئيساً عام 2016 وهو كان مرشح «الممانعة». إلّا أنّه اختصر المشهد السياسي في ذلك الوقت، فيما أنّ عون كان يمثّل الشريحة الأكبر من المسيحيين بينما هو الآن مرفوض من الشريحة الأكبر من المسيحيين. كذلك إنّ «التيار» ليس ثابتاً في «الخط الممانع»، وخلافه مع «الحزب» الآن رئاسياً مثال على ذلك، فيما أنّ فرنجية ثابت في هذا الخط في كلّ المواقف حتى تلك المتعارضة مع المواقف المسيحية ومواقف بكركي. هذا فضلاً عن أنّ «القوات» اتجهت إلى انتخاب عون، بعدما حُصر الخيار الرئاسي بين عون وفرنجية وكان بري ورئيس تيار «المستقبل» سعد الحريري ورئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط يريدون وصول فرنجية الذي لا يمثّل المسيحيين.
كذلك حصر فرنجية المعركة الرئاسية بـ»الاتفاق المسيحي السلبي»، فيما أنّ المسيحيين وبعدما اتفقوا على رفض وصوله إلى أعلى موقع دستوري في الدولة، اتفقوا إيجاباً على مرشح رئاسي. وهذان الرفض والاتفاق غير محصورين بالمسيحيين، كما «تناسى» فرنجية، بل يشمل الدروز والسنّة طائفياً، ومستقلّين و»تغييريين» سياسياً، فيما رئيس «المرده» لا يحظى إلّا بدعم «الثنائي الشيعي» وبعض النواب من سنّة ومسيحيين لا يعبّرون عن الإرادتين المسيحية والسنية، وغالبية النواب الذين لا يؤيدون أزعور يرفضون وصول فرنجية.
وبدلاً من أن يفتح «الزعيم الزغرتاوي» عبر خطابه كوةً في الجدار «الممانع» لمروره إلى القصر الجمهوري، يستمرّ بترشحه «عكس التيار»، ويساهم في «مشروع الغلبة» الذي يقوده «الحزب»، بحسب جهات معارضة، وذلك انطلاقاً من الوقائع الآتية: تعدّدية نيابية واضحة مسيحية – إسلامية لا تريد مرشح «الممانعة» وتؤيّد أزعور. أكثرية مسيحية مع أزعور وضدّ مرشح الممانعة المفروض من فئة واحدة. البطريركية المارونية تدعو إلى معادلة «لا غالب ولا مغلوب».
الرأي العام اللبناني انتفض في 17 تشرين الأول 2019 بغية الذهاب إلى إدارة سياسية جديدة. ترشّح فرنجية عكس ميزان القوى النيابي، وعكس ميزان القوى المسيحي، وعكس ميزان القوى الشعبي الوطني، وعكس ميزان القوى الخارجي، مع دعوة عواصم قرار عدّة إلى رئيس من خارج الاصطفافات. وعلى رغم كلّ ذلك هناك من يريد أن يفرض رئيساً على اللبنانيين. وبالتالي تجزم مصادر مسيحية عدة أنّ ورقة فرنجية ساقطة ولن تمرّ مسيحياً.
وإذ قرّر فرنجية فتح الدفاتر القديمة بدلاً من صفحة جديدة مع معارضيه، يبدو أنّ «فريق الممانعة» يحاول أيضاً فتح «ورقة جديدة – قديمة»، عبر أوساط إعلامية، ملوّحاً بالمؤتمر التأسيسي و»المثالثة» إذا لم يصل مرشحه إلى الرئاسة، لاعتبار أنّ هذه الورقة تثير خشية المسيحيين. إلّا أنّ جهات مسيحية تؤكد أنّ هذه الورقة «ساقطة» أيضاً، فهي إلى جانب أنّها لا تخيف المسيحيين، لا تصبّ في أهداف «حزب الله» الآن، فأي مجموعة في لبنان لا تقبل الاستمرار في دولة يكون السلاح خارجها، وأي مؤتمر تأسيسي للبنان يعني طرح سلاح «حزب الله» على الطاولة بمعزل عن أي تعديلات أخرى إن على مستوى الصلاحيات أو غيرها، بينما «الحزب» ليس في وارد تسليم سلاحه بل يريد الإبقاء على ازدواجية الميليشيا والدولة، فيما المؤتمر التأسيسي سيحسم هذه الازدواجية لمصلحة قيام دولة. أمّا في حال فُتح باب تعديل النظام، فإنّ التعديلات لن تكون في اتجاه الصلاحيات داخل النظام، بالنسبة إلى المسيحيين، بل في اتجاه وضعية لامركزية مفتوحة.
(راكيل عتيّق “نداء الوطن”)