زارع الضحكة في قلوب الكثيرين يختزن في قلبه حزناً كبيراً وعتباً على دولة لا تسأل عن كبارها…. عبد الله حمصي عن السياسيين: «الله يسعدهم ويبعدهم»

متنقلاً بين منزله الذي يكتنز في كل زاوية من زواياه عراقة الفيحاء، ومقر «فرقة الفنون الشعبية» و»ميني ماركت أسعد» يمضي الممثل اللبناني عبد الله حمصي المعروف بـ»أسعد» أوقاته. لا عمل يزاوله ولا أدوار تعرض عليه ربما لكبر سنه او لتبدل اللاعبين والأدوار بفعل تغير الزمن. زارع الضحكة في قلوب الكثيرين يختزن في قلبه حزناً كبيراً وعتباً على دولة لا تسأل عن كبارها «قيمة الفنان في لبنان لم تعد محفوظة ابداً ابداً والدولة لا تلتفت لحالنا».
ما في دولة
لا ينشد «أسعد» من دولته تكريماً سبقها اليه حب الناس. غير ان حب الناس وحده، وان كان ثروة يحسد عليها لا يؤمن له الحد الأدنى من الرعاية الصحية وضمان الشيخوخة، ليطمئن الى عمر لم يعد فيه أكثر مما مضى «عندي من محبة الناس ما يكفي» يقول عبد الله حمصي، لكنه يشكو «كيف ان قيمة الفنان غير محفوظة في لبنان حالياً من قبل المسؤولين» لأسباب يجهلها «اسأليهم فالجواب عندهم وليس عندي».
وفي غمرة الحديث عن الدولة والسياسة يحضر الحديث عن الانتخابات في موسمها، «كيفك انت والسياسيين» نسأله فيكون جوابه: «الله يسعدهم ويبعدهم» وهل ستنتخب ؟ الجواب على السؤال هنا تسبقه اليه قبضة يده التي يرميها من أعلى الى أسفل في تعبير عن الإستياء ويقول بلهجته الطرابلسية المحببة «ما بنتخب وبنزل ورقة بيضاء لأن لا وجود لشخص يقوم بالذي يفترض ان يقوم به على المستوى الوطني والمعيشي»، يرفض الغوص في السياسة فلا يسمع اخباراً ولا يشاهد التلفزيون الا في ما ندر ومن بين الروايات التي ما زالت حاضرة في ذهنه تلك التي تعود الى يوم طلب من زوجته تحضير بدلته لانه ينوي زيارة شخصية سياسية مرموقة في الدولة، سألته من هي وما الذي تعمله؟ أجابها «رئيس حكومة» فأجابته «الشغل مش عيب معليه».
تغير الزمن وتبدل كما تبدل اللاعبون على مسرح الحياة وفي الواقع، فبات عبد الله حمصي مع ابناء جيله من الممثلين مهمشين في مهنتهم «لا ادوار تعرض علينا ولا عمل لنا ولا أعرف لماذا يبتعدون عنا» وقد يكون السبب في ذلك اختلاف الزمن «مسلسلات هذه الايام تختلف عن تلك التي قدمناها في السابق، كنا نقدم اعمالاً فيها أخلاق والتزام بينما صارت أعمال اليوم بلا أخلاق، والمسرح تجارة، فنان هذه الأيام لا قيمة له».
لم تكرم الدولة عبد الله حمصي، وله في ذمّتها دين قديم لا يزيد على بضعة ملايين رفضت وزارة المال التوقيع لصرفه «لا تتحدثي عن الدولة لأنها غير موجودة» ورغم ذلك يقول «مش زعلان، الناس كرمتني، يكفيني انهم يرددون عبارات قلتها في أحد ادواري مثل خود ايدك يا أسعد… وغيرها».
الالتزام
بعيداً عن السياسة والسياسيين يمضي ايامه. لكن الأمر لا يغني عن لقاء يجمعه صدفة بأحدهم، فما الذي يحصل حينها يقول «هو يضحك وانا أضحك بالمقابل وكل منا يضحك لسبب مختلف عن الآخر بالتأكيد».
الممثل والفنان الملتزم يترحّم على نوعية الفن الذي قدمه وجيله من الفنانين «رزق الله على الفن الذي كنا نقدمه» يعتبر ان فنه أخلاق والتزام وأن الفنان الأصيل لا يتحدث بالمال ولا يعتب على اي احد في هذه الدنيا. من خبرته ومسار عمله الطويل تحقق من أن الفن لا يحقق ثروة للملتزم به كرسالة بدليل اوضاعه والكثير غيره من الزملاء ممن يتّكلون على اولادهم في سد احتياجاتهم الحياتية. لكن أسعد كما غيره يلاحظ أن فناني هذه الايام يعيشون حياة ترف وبذخ لم يختبرها في عمره ليس لندرة أعماله ولا لغياب موهبته وإبداعه بل لسبب أهم وأقوى وهو انه فنان ملتزم، شرطه في عمله هو الرقي والمحتوى والهدف قبل اي اعتبار آخر، وشهادته في المهنة جعلته يخرج باستنتاج مفاده «أن من يغتني من الفنانين فبسبب مزاولة أشغال من خارج الفن».
عبد الله حمصي الذي ابتدع شخصية اسعد «المسرحي» يستعين على همّه بالتدخين لعله اذا نفخ همومه تنجلي، وحوله يصول ويجول عنتر، صديقه الهر وأنيسه المشاغب. بعباراته المقتضبة اختصر عبد الله حمصي معاناة جيل من الفنانين ممن أغفلت الدولة تكريمهم بتأمين حياة كريمة تليق بمسيرة عطائهم الطويلة ولم يتم تكريمهم بورقة ضمان لشيخوختهم، او بتأمين طبابة واستشفاء، من دون ان نتحدث عن راتب تقاعدي يسعفه في شيخوخته.
في طرابلس التي يعادل العيش فيها حياته يمضي عبد الله حمصي مشوار حياته وفي قلبه حسرة «ان البلد الذي أحببته لم يبادلني العطاء» نسأله ماذا بعد فيكون جوابه «ناطر الفرج» على ان الفرج الذي يعنيه هو»ان يأخذ الله وديعته» يقول ويسحب سحبة طويلة من سيجارته ويقبض على دخانها في قلبه وينظر نظرة الى الأعلى ويلوذ بالصمت…الذاكرة وان خانته لكن ذاكرة الوطن تبادل اهل الوفاء وفاءهم بينما العاصمة لن تموت طالما فيها نبض يحاكيها «صبحك بالخير ستنا بيروت».