بعد رحلة #كفاح دامت 28 عاماً موظفة في #البنك…”#جنان_حايك”: اليوم أدير مخبزاً سميته “#نسوان_الفرن” لأنني قررت ألا أستسلم (صور)

سيدة لبنانية عملت لثمانية وعشرين عاماً في قطاع المصارف وانتقلت من مديرة فرع الى صاحبة فرن في بلدتها بكفيا في جبل لبنان بعد الأزمة التي عصفت بهذا القطاع والتوقف عن اعطاء المودعين أموالهم وأقفل الفرع الذي كانت تديره. انها السيدة جنان الجميل حايك التي شغلت مواقع التواصل الاجتماعي بصورها وهي تخبز وتعمل بكد متحدية كل الصعوبات، هي صورة اللبناني التي تريد جنان اظهارها للعالم بأن لا شيء مستحيلاً وأن ارادة الصمود والاستمرار أقوى من كل الأزمات والصعاب. ومن عالم الأموال بحيث كانت مديرة فرع أحد المصارف في لبنان قبل أن تعصف الأزمة بهذا البلد الى عالم الطعام صاحبة فرن صغير سمته “نسوان الفرن”.
فمن فتح خزانات الأموال الى خبز العجين قصة امرأة قررت ألا تستسلم لمتغيرات الحياة خصوصاً في بلد يتخبط بأزمات كثيرة وصعبة، بابتسامة وروح مرحة تقدم جنان “المنقوشة” للزبائن، هي التي كانت يوماً مديرة فرع أحد المصارف ولها خبرة عشرات السنين في القطاع المصرفي، ولكن للظروف أحكاماً خصوصاً في بلد مثل لبنان يعيش أبناؤه في ظل ظروف قاسية جداً لا يقدر أن يتحملها شعب في تاريخنا الحديث لا سيما في السنوات الثلاث الأخيرة. ومن فرنها الصغير في بلدتها في المتن الشمالي ومع فريق عملها المكوّن من النساء فقط تؤكد جنان أن المناصب ليست هي من تعطي قيمة للانسان بل شغفه وطموحاته واصراره لمواجهة الحياة هي الأساس مهما كانت صعبة. ولا شك أن الكفاح والمثابرة مهمان جداً ولكن ليس من السهل أن يقضي الانسان سنوات عمره وهو يتعلم ويعمل ويتبوأ المناصب ليجد نفسه يخبز العجين ليس لشيء فقط لأنه يعيش في بلد تحكمه طبقة سياسية فاسدة لم تكترث يوماً لمعاناة اللبنانيين الذين يدفعون الثمن غالياً بأرواحهم وأرزاقهم ومستقبلهم ومستقبل أولادهم.
جنان حايك… لا مكان لليأس
وعن تجربتها تقول السيدة جنان حايك التي حظيت بتقدير الناس الذين يقصدون الفرن ويثنون على جهودها ومثابرتها لمواجهة الظروف القاسية التي يمر بها لبنان:
– لم أشعر باليأس بعد اغلاق فرع المصرف الذي كنت أتولى ادارته بسبب الأزمة الاقتصادية في لبنان بل كسرت الاحباط وتحديت الصعاب وفتحت فرناً صغيراً لصنع المناقيش في بلدة بكفيا لأنني قررت أن أواجه الظروف الصعبة التي نعيشها جميعاً كلبنانيين. القصة بدأت عندما عصفت الأزمة الاقتصادية بلبنان وعجز المصارف عن السداد للمودعين بالدولار، حينها قررت بعض المصارف أن تغلق بعض الفروع وتدمج الأخرى، فشاءت الأقدار أن يكون أحد الفروع المقرر دمجها هو الفرع الذي أتولى ادارته ومن هنا بدأت الحكاية حيث قررت بعد قرار الدمج ترك العمل، وبعد يوم واحد فقط من هذا القرار بدأت التخطيط والتجهيز لمشروعي الخاص وهو الفرن. اكتملت الصورة عندي بعدها قررت فتح الفرن في مكان فرن العائلة نفسه الذي يذكرني بأيام الطفولة، فأنا أعشق رائحة المناقيش ولدي خبرة فيها، وأيضاً لكي أواكب الجديد تعلمت أشياء حديثة في عمل المناقيش والفطاير وسميت المحل بـ “نسوان الفرن”، وهذا الأسم يدل على قوة المرأة وأن المرأة لا تعرف اليأس، فأنا عملت 28 سنة في قطاع المصارف وأصبحت مديرة لأحد الفروع، وعندما قررت ترك المصرف بعد الظروف التي يمر بها لبنان لم أستسلم لليأس، على العكس تماماً. فتحت هذا المشروع وانني أعمل فيه مع النسوة وأرى النجاح أمام عيني كل يوم وأشكر الله على كل شيء.
دخلت الى القطاع المصرفي مصادفة
* دخلت عالم المصارف مصادفة ولم تخططي لذلك فكيف حصل ذلك؟
– هذا صحيح، عملت تقريباً منذ 28 سنة، بعد وفاة والدي الذي كان يعمل في مصرف اتصلوا بي وسألوني اذا أريد العمل، فقلت سأعمل لا سيما أن والدتي لم تكن تعمل وكنا أنا وشقيقتي لا نزال ندرس في الجامعة ونحتاج للمصاريف. كنت أحب أن أدرس الهندسة وأيضاً تصميم الأزياء، ولكن لم أتمكن أنذاك بعدما بدأت العمل في المصرف، وعندما دخلت الى المصرف كنت في الثامنة عشرة من عمري ولا خبرة لي بالأرقام والتعامل مع الناس ولكنني تعلمت واكتسبت الخبرة وحظيت بمنصب جيد.
لم أتوقف عن الدراسة خلال عملي في المصرف
* مما كنت تخافين في تلك المرحلة؟
– كنت أخشى ألا أكمل في مجال العمل، حيث كنت أشعر انني لست في المكان الذي كنت أحلم به، فكما ذكرت أنني أردت دراسة الهندسة، ولم أتخيل انه سيمر 28 سنة ولكن النظر الى الوظيفة بطريقة ايجابية ساعدني كثيراً، ونظرت الى الأمام وقلت إنني سأكمل وأصل الى المكان الذي أريده. دخلت الى مكان لم أحبه ولكنني تبوأت المناصب بفضل جهودي ومثابرتي. وبالتزامن مع عملي لم أتوقف الدراسة، حيث درست العلوم المصرفية وأيضاً علم النفس، من ثم أكملت دراستي بتصميم الأزياء، حيث صممت فستان عرسي بمساعدة والدتي بحكم عملي في البنك خلال النهار. وقد أحببت تصميم الأزياء كثيراً، ولكن بحكم الوقت والعمل المتواصل والاهتمام بالعائلة لم يتسن لي العمل في هذا المجال لأن المسؤوليات كانت كثيرة ما بين المصرف والعائلة.
فكرة فتح فرن “للمناقيش”
* ولماذا قررت فتح فرن للمناقيش؟ وكيف سارت الأمور في البداية؟
– بعد الأزمة الاقتصادية اغلقت العديد من الفروع وأغلق الفرع الذي كنت أديره، ولكن مع ذلك لم أشعر باليأس لأنني أنظر الى الأمور بطريقة ايجابية، لأنه بالنهاية المصارف لا تقدر أن تستمر بالعمل، لذا كانت النتيجة اغلاق الفرع، ولكن يبقى هناك أمل دائماً لأن الحياة ستستمر وعلينا أن نواجه كل شيء خلال حياتنا. وبالنسبة لي فلا أقدر أن أتوقف عن العمل، لهذا فكرت بالأمر سريعاً لأنني لم أرد أن أجلس مكتوفة اليدين. ففكرت بفتح فرن للمناقيش في بلدتي بكفيا، لأنني أحب هذا العمل وأشعر بالسعادة عندما يأتي الناس ليتناولوا من المناقيش التي نصنعها في “نسوان الفرن”، كما أن الصبحية مع الناس أمر جميل. كما أنني اعتدت الاستيقاظ باكراً منذ أن عملت في المصرف ولهذا أعمل بسرور أيضاً، مع العلم أنني لم أكن مجتهدة في المطبخ ولم يكن لدي الوقت فكانت الوالدة تطهو الطعام واليوم أنا أصنع المناقيش وبالتالي عندما يصمم الانسان على شيء حتماً سينجح. طبعاً لم يكن الأمر في البداية سهلاً حيث طلبت مساعدة لصنع العجين لأنني لم أكن أعرف كيف أصنع العجين ولكن لاحقاً رحت أتعلم وطبعاً بفضل استشارة والدتي تعلمت الكثير ونجحت واليوم يقصدنا الناس لتناول المناقيش التي أصنعها في هذا الفرن الذي يعمل فيها النساء.
* هل كانت البداية من الصفر مسؤولية كبيرة عليك؟
– لم أخش من البدء من الصفر، فهذا الصفر سيوصلني الى المكان الذي أريده، بدأت العمل خطوة خطوة وسأكمل العمل، الفرن يفتح من الصباح لغاية الساعة 2 أو 3 ظهراً. أعمل والسيدات معي في الفرن بجهد لأن العاملات في هذا الفرن أيضاً يكافحن ويتحدين الحياة من أجل عائلاتهن.
دعم وتشجيع الناس لي يزيدني قوة وإصراراً
* وماذا يقول لك الناس عندما يقصدون الفرن لشراء المناقيش؟
– عندما تقصدنا النساء تشعرن بالسعادة وتثنين على جهودي ومثابرتي، وعندما يدخل الرجال يسألون أليس هناك رجال يقومون بهذا العمل، ولكنهم يثنون أيضاً على جهودنا واصرارنا لمواجهة الأزمة الاقتصادية في لبنان. وبعد نشر المقالات بدأت سيدات تقصدني للتعرف علي شخصياً وهذا يسعدني كثيراً. وأولادي يطلبون مني أن أستريح بعد سنوات طويلة في القطاع المصرفي، ولكنني أقول لهم دائماً أحب العمل خصوصاً في مكان أحبه كثيراً “نسوان الفرن”. وأود توسعة المكان هنا في لبنان وربما في الخارج هناك طلب من بيروت لأفتح فيها، ولكن نحتاج لبعض الوقت، ربما هناك سيدات يردن أن يفتحن مثلاً فرناً ولكن لا يتشجعن، لهذا أقول لكل سيدة تريد أن تكون منتجة بامكانها العمل طالما لديها الاصرار والعزيمة.
المصدر: الافكار