اخبار فنية

“لا يمكن أن أترك الشام مهما حصل”…الفنانة القديرة #منى_واصف:”أؤمن بأن الله هو صاحب الفضل الكبير وقد أنعم عليّ بموهبة وحسن القبول”…لبنان مكانة خاصة في قلبي

عالمي كان نقطة تحوّل في مسيرتها الطويلة، هي الأخت والزوجة والأم في عشرات الأعمال الدرامية والكوميدية، حتى طريقة كلامها باتت علامة فارقة تميّزها عن سواها من الفنانات. منذ إلقاء التحية عليها تشعر بالفعل أنك تقابل سيدة قريبة من عائلتك، تستقبل محبيها والصحافيين بكلمة “كيفك ماما” لتكسر حاجز الخوف أو القلق بينها وبينهم.

تقول إنها مقلّة جداً في الحوارات الصحافية وتنتقي بدقة الوسيلة الإعلامية التي ستظهر من خلالها إلى الجمهور، واصفة “النهار” بقولها: “أوه.. النهار جريدة عريقة كتير وبحبا كتير”.

خلال وجودها في دبي لتشارك كمحاضرة في ورشة تدريبية لإعداد ممثلين ناشئين، التقى “النهار العربي” سيدة المسرح والشاشة منى واصف، التي شرحت أسباب مشاركتها في هذه الورشة قائلة: “وجودي هنا لدعم الشبان والشابات الذين كانت لديهم الرغبة في دخول المعهد العالي للمسرح، لكن ظروفاً ما حالت دون تحقيق هدفهم، فكانت هذه الورش باباً جديداً لهم لخوض تجارب التدريب والتطور الأدائي ليدخلوا مجال التمثيل، وربما يصبح بعضهم نجوماً في المستقبل، فمن خلال خبرتي المسرحية الطويلة التي أعتبرها الأساس في تكوين التركيبة النفسية والشخصية لأي ممثل ناجح، ها أنا موجودة اليوم مع شبان وشابات صغار لأعطي جزءاً من خبرتي إليهم”.

ترى واصف أنّ ورش التدريب التي باتت منتشرة كثيراً في العالم العربي وحتى الغربي هي ظاهرة إيجابية، ليس فقط لتحقيق رغبة الشباب بتعلّم مبادئ التمثيل فحسب، بل لإضافة خبرات ممثلين ومخرجين ذوي باع طويل في المهنة وتجاربهم، فالنجومية ليست أداءً فقط، بل ثقافة كيفية التعاطي مع الآخرين، ثقافة القراءة والاطلاع على كل جديد في عالم الفنّ، والشهرة ليست كافية لأنها إذا لم تبنَ على أسس أبرزها التواضع وتصقيل الموهبة، والاكتفاء فقط بنشوة النجاح لن يستمر طويلاً، الفنان عموماً يحتاج دائماً لتطوير نفسه من كل النواحي التي تخدمه وتخدم شغفه.

العمل على الذّات

تطبّق منى واصف نظريتها على نفسها قبل أن تتوجه بها إلى الأجيال التي تلتها والأجيال الصاعدة، ففي سؤالها عن سرّ هذا النجاح الذي استمر متواصلاً أكثر من نصف قرن، مقارنة بأسماء كبيرة من أبناء جيلها ومن الأجيال التي خلفتها، والذين حققوا نجاحات لكنهم لم يستمروا لفترات طويلة، تجيب: “أؤمن بأن الله هو صاحب الفضل الكبير وقد أنعم عليّ بموهبة وحسن القبول، لكن من دون العمل على الذات وتطوير الموهبة ومواصلة التعلّم والقراءة والتثقيف، لم أكن لأحافظ على هذه المكانة عند الجمهور، سبب الاستمرارية أنني قدمت دور المرأة في كل أشكالها، تبنيت المرأة القوية في كل أشكالها أيضاً ولقي ذلك استحسان الجمهور من رجال ونساء ومن جيل إلى جيل، لعبت دور المرأة القوية في زمن السلم وفي زمن الحرب الأم التي تواجه مشكلات الحرب والحياة بمفردها”.

“حين أمشي في شوارع دمشق ألتقي أشخاصاً يقولون لي ماما أو تيتا منى واصف أنت بعدك موجودة، وحين أتحدث معهم بعفوية، هنا يشعر المتلقي أنه يرى الشخصية المتوافقة على الكاميرا وفي طبيعتها وهو سبب استمرارية محبة الجمهور للفنان”، تقول. ثم تردف ضاحكة: “يا ريتني أنا قوية بالحياة مثل الأدوار التي أقدمها، الناس ربطت القوة التي في أدواري بشخصيتي، لذا نجحت معها، والسبب الأهم أني لم أخف من السن بالثقة التي اكتسبتها من المسرح الذي أعتبره من أجمل سنوات حياتي المهنية، لأن الممثل عليه تقبل هذا الأمر والاستمرار في تقديم الأدوار”.

حديث البدايات

كانت بدايتها عارضة أزياء في سوريا، بعد ذلك انتقلت إلى المسرح لتبدأ حياتها المهنية ممثلة مسرحية، حيث شاركت في العديد من المسرحيات لكبار الكتّاب العرب والعالميين، أولها مسرحية “العطر الأخضر” بعد انضمامها إلى مسرح القوات المسلحة عام 1960.

ثمّ عملت في السينما والتلفزيون، وكان أبرز أعمالها السينمائية ظهورها بدور رئيسي في الفيلم العالمي “الرسالة” للمخرج العالمي الراحل مصطفى العقاد بشخصية هند بنت عتبة، وكان ذلك عام 1976، وشكّل هذا العمل نقطة تحول كبيرة في مسيرتها الفنيّة.

ومنذ ذلك التاريخ بات اسمها يشكل علامة نجاح لأي عمل تشارك به، حتى آخر أعمالها فيلم “الهيبة” الذي يعرض في أربع دول عربية ومئات الصالات في العالم.

ورغم نجاحها الجماهيري على الشاشة الصغيرة، لكنها تصرّ على أن شغفها الحقيقي هو للمسرح وتدين له بالفضل في صقل موهبتها، وخلال حديثها تصر على ذكر أهمية المسرح في حياتها وحياة نجوم كثر، لكنها تتأسف على وضعه الراهن وتراجعه الكبير في العالم العربي. تقول: “الممثل المسرحي يشبه المقاتل الذي يدخل ساحة حرب من دون درع حماية، عليه مواجهة الجمهور وحده إما يفشل وإما ينجح، أما الأصعب فهو تلقي رد فعل هذا الجمهور مباشرة لأنه يختلف يومياً وكل شريحة منه لها ذوقها، في السينما أو التلفزيون يختلف الأمر تماماً”.

وتشير إلى مسألة مهمة  إلى أنه “حتى المسرح الكوميدي يختلف عن المسرح الجاد، لأنه في الأول يمكن للممثل رمي جملة مضحكة يتفاعل معها الجمهور مباشرة، فيما في النوع الثاني فإنه يدرك رد فعل الجمهور بعد الانتهاء من المسرحية ومن خلال تصفيق الجمهور، فإذا انسحب من منتصف العمل معناه أن الممثلين فشلوا في دورهم”.

قبل مرحلة فيلم الرسالة بأقل من سنة برعت واصف بدورها في المسلسل التاريخي “دليلة والزئبق” الذي جسدت فيه شخصية امراة جميلة ولكنها خبيثة، تستخدم حيلها لتصل إلى هدفها، وحقق العمل آنذاك نجاحاً جماهيرياً عربياً، وبات اسمها منتشراً في تلك الدول، كما تقول.

بين لبنان وسوريا

تكن منى واصف محبة خاصة للبنان، هذا الحب المتبادل تجلّى حين ظهرت للمرة الأولى في حياتها كنجمة غلاف في مجلة عربية كانت على صفحة مجلة “الحسناء” اللبنانية عام 1966 “أتيت للعب دور في مسرحية طرطوف المقتبسة من أعمال موليير، وقدمناها على مسرح في منطقة عين المريسة، كنت وقتها حاملاً بابني الوحيد عمار المقيم حالياً في الولايات المتحدة، عملت بعد ذلك في التلفزيون مع ممثلين كبار من لبنان مثل عبد المجيد مجذوب ومحمود سعيد وسميرة بارودي وأنطوان كرباج، كما عملت مع المخرج الراحل أنطوان ريمي في عملين، أحدهما تم تصويره في اليونان بسبب الحرب في لبنان، أعشق بيروت جداً وللبنان مكانة خاصة في قلبي”.

رغم الحرب في سوريا، رفضت ترك وطنها إلا عند ضرورة التصوير خارج بلدها “دمشق هي بمثابة حضن الأم بالنسبة إليّ، أحب كل الدول العربية التي زرتها من دون أي شك، لكنّ لهذه العاصمة محبة وحنيناً لا يمكن اختزالهما بسهولة، ولا يمكن أن أترك الشام مهما حصل”.

من المعروف ومن خلال تصريحات سابقة لها أن وحيدها عمار ترك سوريا منذ سنوات طويلة لأسباب خاصة، لكنها رغم ذلك لم تقبل ترك سوريا والعيش معه في الخارج، مع أنها تشعر بحنين كبير له، وحين تؤدي دور الأم تستعيد هذا المخزون من مشاعر الأمومة لتجسده أمام الكاميرات. في رأيها أن في الدراما حالتين من المشاعر، الأولى استحضار مخزون عاطفي قديم يأتي حين تجسد دوراً ما، وهناك الأداء الارتجالي الذي يأتي وفقاً للدور، وبحسب كلامها، فإنها في إحدى المرات وهي تصوّر مشهداً مع تيم حسن، وكان عليها مناداته باسم “جبل” وبتلقائية وعفوية نادت عليه باسم “عمار”، لأنها في تلك اللحظة استحضرت المخزون العاطفي الذي تكنه لابنها البعيد منها.

وتؤكد أنها فعلاً تشعر بقربها من تيم حسن وفعلاً تعتبره بمثابة ابن لها، لذا لم يكن أداؤها معه مصطنعاً وكانت العلاقة بينهما متناغمة جداً، وهو يحترمها ويقدرها وكأنها أمه فعلاً.

بالنسبة إلى أعمالها الجديدة بعد “الهيبة” تقول: “حالياً لا أريد الحديث عن أي عمل جديد وأنتظر الوقت المناسب”.

حبها للفصحى

رغم حبها للهجتها الشامية في أعمالها وكذلك محبة الجمهور لهذه اللهجة، وبسببها انتشرت هذه اللهجة عربياً منذ زمن بعيد، لكنها تؤكد أنها تحب التمثيل بالفصحى، وتعتبرها لغة راقية موسيقية في التخاطب، وتستذكر في هذا السياق تقديمها دور أم الفنانة جوليا بطرس في مسلسل “أوراق الزمن المرّ” وكان العمل بالفصحى.

تتجنب منى واصف الدخول أو الخوض في حديث عن أي خلاف بين الفنانين، فهي كما تصفها الصحافة “أم الكل”، ولا تحب إعطاء رأيها بأي خلاف يدور في الإعلام، لأنها تعتبر نفسها من أوائل الجيل السوري الذي خاص تجربة التمثيل المشترك وكانت المحبة والاحترام سائدين بين أعضاء فريق العمل، وتشير إلى أنها معجبة بأداء الكثير من الممثلين والممثلات من لبنان وسوريا.

بالنسبة إلى لقب “سنديانة سوريا” الذي بات أخيراً رديفاً لاسمها، تقول إن المخرجة السورية رشا شربتجي هي من أطلقته عليها في إحدى مقابلاتها، لكنها لم تطلق على نفسها طيلة حياتها أي لقب بل كانت الألقاب تصدر من الصحافة ومن الفنانين.
المصدر: ربيع دمج – النهار العربي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى