لبنان أمام منعطفات خطيرة…و فرنسا تتأهّب لمنع الفوضى !!
كتب حسين زلغوط في “اللواء”:
لا ينقسم اثنان من اللبنانيين على أن البلد يتجه إلى تصعيد سياسي غير مسبوق، وأن هذا التصعيد الذي ستكون ساحته مجلس النواب سيكون متفلتاً من أي ضوابط، حيث أن الافرقاء المتخاصمين سياسياً بدأوا يعدون العدة لهذه المعركة ما ان خرج الرئيس ميشال عون من قصر بعبدا حيث أطلق في خطاب نهاية ولايته العنان لهذه المعركة التي ستكون وفق المعطيات من أشرس المعارك التي حصلت خلال سنوات عهده.
وبالنظر لحالة الاحتقان السياسي الموجودة فإنه لم يعد أمام القوى السياسية على اختلافها سوى المواجهة الشاملة في خضم الفراغ الرئاسي وعدم التمكن من تأليف حكومة جديدة.
ومما لا شك فيه فإن الصورة التي تحكم المشهد السياسي الراهن تدل على ان البلد يتجه بسرعة قياسية نحو الانزلاق الى واقع مجهول في ظل توقعات بحصول خضات سياسية ودستورية مصحوبة بأزمات اجتماعية، من دون وجود أي كوابح داخلية أو خارجية تجنبه هذا الانزلاق، وفي ظل اصرار كل طرف سياسي على التموضع مكانه والامتناع عن أي تراجع ولو خطوة واحدة الى الوراء ان كان بالنسبة للانتخابات الرئاسية أو تأليف الحكومة، وهو ما يفتح الباب أمام التكهن بامكانية أن تكون الازمة الراهنة مفتوحة وغير محددة بفترة زمنية معينة.
صحيح أن لبنان قد مرّ بأزمات سياسية مماثلة في سنوات سابقة، غير أن الصراع السياسي كان مضبوط الايقاع ومحكوم بضوابط معينة، وقواعد لا يجرؤ أي فريق سياسي أن يحيد عنها، غير ان ما نراه اليوم يتجاوز ما كان يحصل في السابق بكثير حيث أن الظروف مختلفة تماماً وأن الخوف من انفلات الشارع نتيجة هذا الاحتقان السياسي صار أقرب الی الواقع أكثر من أي وقت مضى، لا سيما وان الوضع الاجتماعي والمعيشي المأزوم والذي فاق كل حد يشكل عاملاً مساعداً وأساسياً في حصول انفجار اجتماعي معطوف على اشتباك سياسي محموم تدخل معه البلاد في أتون أزمة ربما تجعل مصير لبنان ككيان على المحك.
ووفق ما يرصد من وقائع سياسية يومية فان شرارة الاشتباك السياسي النوعي هذه المرة ستنطلق وبشكل مباشر ومن دون أي مواربة، من جلسة بعد غد الخميس والتي هي محسومة النتيجة لجهة عدم أخذ المجلس برسالة الرئيس عون التي يطلب فيها من المجلس سحب التكليف من الرئيس نجيب ميقاتي الذي طار الى الجزائر لحضور القمة العربية وهو مرتاح البال بأن هذه الرسالة لن تغيّر من واقع حكومته شيئاً، وهي لن تكون لها أية مفاعيل على الاطلاق وسيتم التعامل معها وكأنها لم تكن، حيث لا قيمة دستورية أو قانونية لها، على غرار الرسالة التي سبق للرئيس عون أن وجهها الى مجلس النواب خلال تولي الرئيس سعد الحريري رئاسة الحكومة.
ووسط هذا الافق السياسي المقفل في الداخل، برزت بعض المؤشرات التي توحي وكأن الفرنسيين لا يرغبون بإطالة أمد الفراغ الرئاسي وعدم تأليف حكومة جديدة لإدراكهم بأن هذا الفراغ سيزيد الامور تعقيداً في لبنان، وهو ما حدا بالاليزيه، وفق مصادر سياسية مطلعة، على التفكير ملياً في القيام بخطوة ما من شأنها فرملة حدة الصراع السياسي الموجود وتهيئة المناخات الملائمة للشروع في ملء الشغور الرئاسي وتأليف حكومة جديدة.
وتشير هذه المصادر إلى ان الفرنسيين على تواصل دائم مع القيادة في المملكة العربية السعودية للعمل معاً على بلورة حلول تؤدي الى اخراج لبنان من وضعه المأزوم، وأن هذه الاتصالات تبلورت عنها رغبة واضحة من الجانبين للتعاون في هذا المجال، ولذلك من غير المستبعد أن ترسل فرنسا المنشغلة بأكثر من ملف في المنطقة موفداً لها مع قابل الايام من أجل ابتداع صيغة ما مع المسؤولين اللبنانيين تفضي الى تفاهمات على انتخاب رئيس في الدرجة الأولى، وثانياً تأليف حكومة، وهذه الخطوة ربما لن تكون في القريب العاجل، إلا انها ستحصل وأن الفرنسيين أخذوا قرارهم بعدم ترك لبنان في مهب رياح الصراعات التي إن تفاقمت ستؤدي الى ما لا يحمد عقباه.
وفي رأي هذه المصادر أن ما يحصل راهناً في لبنان على كافة الصعد ليس من مسؤولية اللبنانيين وحدهم، بل هو أيضاً وليد الصراعات الاقليمية والدولية المتشابكة، حيث ان لبنان ربما يكون من بين الدول الاوائل التي تتأثر بهذه الصراعات، وهو لطالما كان يدفع ثمناً باهظاً نتيجة لذلك، والسبب في ذلك يعود الى كون ان غالبية المسؤولين الذين توالوا على القيام بمهام سياسية منذ الاستقلال الى اليوم لم يبلغوا سن الرشد السياسي بعد، وهو ما يفتح المجال امام التدخلات الخارجية حيث لا يختلف اثنان على القول بأن العامل الخارجي لطالما كان له الدور الرئيسي في اي استحقاقات دستورية وعلى وجه الخصوص الانتخابات الرئاسية.
من هنا، فإن المصادر ترى ان المرحلة المقبلة ستكون حبلى بالصراعات السياسية، وان هذه الصراعات ستبلغ من الحدة التي لم يشهد لبنان مثيلاً لها منذ عقود، وهو سيكون امام مفترقات طرق خطيرة، ما لم يتنبه اهل الحل والربط لهذه المخاطر ويذهبوا في اتجاه ايجاد الحلول على قاعدة التوافق والتفاهم، لأن القفز على هذه القاعدة وسط الخارطة السياسية الموجودة في مجلس النواب هو ضرب من الجنون.
المصدر: جريدة اللواء