“المشهد مخيف إلى هذا الحدّ”… زيادات خيالية على أقساط المدارس ليتجاوز الرسم الـ7 آلاف دولار!
كتبت زينب حمود في “الأخبار”:
على مشارف انتهاء العام الدراسي الحالي، ومع بدء مرحلة التسجيل وحجز المقاعد للعام المقبل، لا يزال الأهالي غير قادرين على اتخاذ القرار المناسب في ما يخصّ مدارس أولادهم. فمن أصدر من المدارس الخاصة جدول الرسوم التعليمية أعلن عن مضاعفة الرسوم الدولارية مرتين إلى خمس مرات، عدا زيادة في الرسوم التي تُجبى بالليرة اللبنانية. باختصار، لم تعلن أي مدرسة خاصة عن أقساط مقبولة تتناسب مع رواتب كثير من الأهالي وإمكاناتهم المادية التي سحقتها الأزمة الاقتصادية.
لم تتّضح بعدُ الصورة الكاملة للأقساط المدرسية في العام المقبل، لكنّ الأهالي توصّلوا، بناءً على الأرقام المضخّمة التي خرجت إلى النور، إلى أن هناك «معركة كسر عظم تقودها تكتّلات المدارس الخاصة في وجهنا». وبين تعليم رسمي يعاني أزمة ثقة وتعليم خاص طبقي خارج قدراتهم المادية، يسأل أولياء الأمور بعجز: «كيف نمنح أبناءنا التركة الوحيدة القادرين عليها المتمثّلة بالعلم»؟
من أصدر من المدارس جدول الرسوم، أعلن عن مضاعفة الرسوم بالدولار مرتين… إلى خمس مرات. المدرسة التي كانت تطلب 400 دولار تطلب اليوم 1200 دولار، ومن كانت تطلب 200 دولار صارت تطلب 800 دولار، ليتجاوز الرسم في المدارس «الثقيلة» الـ7 آلاف دولار. أما الرسوم التي تُجبى بالليرة اللبنانية فتبدأ من 12 مليون ليرة وتصل إلى الـ80 مليوناً. أقساط لا تتناسب مع رواتب كثير من الأهالي التي سحقتها الأزمة، ما جعل الحال أمراً واقعاً حتى لمن لا تزال من المدارس تلتزم الصمت.
«لأول مرة أرى المشهد مخيفاً إلى هذا الحدّ»، تقول رئيسة اتحاد لجان الأهل وأولياء الأمور في المدارس الخاصة لمى الطويل. وتنقل عيّنة مما دار في مجموعات الأهالي على الواتساب، «جنون، بعدما عرفوا أن القسط سيبدأ في إحدى المدارس من 1200 دولار ويرتفع مع التقدّم في الصفوف. نتجت عن الأمر ردّات فعل مختلفة، منهم من أعلن التمرّد على التسجيل والتلويح بالانسحاب الجماعي لكسر قرار المدرسة، ومنهم من سأل عن أحقية هذا الرقم وشرعيته، وآخرون لم يشاركوا في النقاش لأن قدراتهم المادية أبعد بكثير مما يسمح بالتفاوض».
طاول الذهول شريحة من المقتدرين والمغتربين، لم تتوقع الطويل يوماً أن تسمع منهم تذمّراً على الرسوم المدرسية، «لم يصدّق أحد المغتربين في السعودية أن عليه تسديد 6 آلاف دولار لقاء تعليم 3 أولاد سنوياً إلى جانب رسوم التسجيل والرسوم بالليرة، عدا تكلفة الباص المدرسي التي تفوق الـ50 دولاراً للولد الواحد شهرياً». وإن كانت هذه ردة فعل الميسورين، فكيف ستكون حال غير الميسورين، ولا سيما موظفي القطاع العام الذين استفادوا من زيادة المنح المدرسية بالعملة الوطنية فيما الأقساط تحلّق بالدولار. تسأل الطويل: «كيف سيصمد هؤلاء وهم يشكّلون 40% من أهالي التلامذة في المدارس الخاصة»؟
تتريّث المدارس في شمال طرابلس، في القبة والبداوي مثلاً، في الإعلان عن جدول الأقساط، وتتشاور في ما بينها. وهو أمر يحصل في مناطق أخرى، حيث تتطابق الرسوم التعليمية إلى حدّ بعيد بين المدارس بحسب تصنيفها، تجنّباً للمنافسة. يدور الحديث في بلدات الشمال الفقيرة عن زيادات كبيرة على الأقساط من 100 دولار إلى 250 دولاراً. فيزداد قلق الأهالي حول مصير أبنائهم في السنة المقبلة والأعباء التي تثقل كاهلهم، و«هم الذين ينهون أقساط هذا العام بشق الأنفس»، وفق إحدى المعلمات التي تتوقع مزيداً من الانسحاب إلى المدارس الرسمية.
لم يكن تسديد الأقساط في السنة الدراسية الجارية يسيراً على الأهالي ليتحمّلوا أعباء إضافية. يؤكد محمد «أنني أُنهكت بما فيه الكفاية»، مشكّكاً أن تكون ثانوية ولديه في صيدا التابعة لجمعية خيرية، «لا تزال تنطبق عليها صفة خيرية»، بعدما سمع من مصدر داخل المدرسة أن قسط الولدين سيوازي 2400 دولار وبضعة من الملايين بالليرة. لم يتأكد بعد من صحّة ما وصله، لكنه يكرّر كمن يريد إقناع نفسه: «حتماً سأبحث عن مدرسة أخرى إذا تأكد الخبر». ليست المدرسة الرسمية ضمن خياراته، لأن «المكتوب يظهر من عنوانه». لكن، ماذا لو حدّدت جميع المدارس في الجوار أقساطاً مماثلة؟ «يكون الأهالي قد علقوا بين السندان والمطرقة»، على حدّ تعبيره.
تضيق الخيارات على الأهالي، ويزداد الشعور بالضّيق كلّما بحثوا في المدارس المجاورة وفكّروا في المصاريف التي تتعدّى الأقساط إلى رسوم التسجيل بالفريش دولار التي تُسدّد أول العام، وبدلات الباص المدرسي والكتب والقرطاسية والزيّ المدرسي والزيّ الرياضي… كما يزداد قلقهم كلما استحضروا الزيادات التي أُلحقت بالأقساط أكثر من مرة هذا العام، ما يجعل «الأرقام الخيالية لأقساط السنة المقبلة غير نهائية أيضاً»، بحسب زياد الذي يضيف على مخاوفه: «ماذا لو لم تذهب هذه الزيادات إلى جيوب الأساتذة، واستمرّ انعكاس تدهور أوضاعهم المعيشية على أدائهم التعليمي»؟ قام زياد بجولة على مدارس الشوف ووجد أن الحال واحدة «بتقهر». هو أيضاً يستبعد خيار المدرسة الرسمية بعد تجربة هذا العام. فماذا سيفعل إذاً؟ يجيب: «الخيار الوحيد الذي أراه أمامي وسط كل هذه السوداوية هو السفر إلى مكان يحترم إنسانيتي وحق أولادي في التعلم في الدرجة الأولى».
اختيار المدرسة يأخذ في الاعتبار أمرين: القدرة المادية للأهل على تحمّل أقساطها، والخدمة التعليمية التي ستقدّمها للتلامذة. وبينهما يقف الأهالي غير قادرين على الاستهانة باختيار مدرسة لا تقدّم المستوى التعليمي الذي يطمحون إليه، ولا سيما في موادّ اللغات الثانية. فتعليم الأولاد يشكل أولوية بالنسبة إليهم حتى بعدما أعادوا ترتيب أولوياتهم بفعل الأزمة الاقتصادية. تصرّ هند مثلاً على إبقاء ابنتها في صف الأول في مدرستها في كفرشيما بعدما عرفت أن القسط سيبلغ 2850 دولاراً و19 مليون ليرة، «لتتأسّس بشكل جيد، ولا يعني ذلك أن القسط غير باهظ، لكن الشيء الوحيد الذي أستطيع أن أورّثها إياه هو العلم، لذلك لن أقصّر»، هكذا سيضطر زوجها للبحث عن عمل إضافي لتغطية التكاليف المدرسية. وعدلت لطيفة عن تغيير مدرسة ابنتها الكبرى وإبقاء الصغرى فيها لـ«تتأسّس على الثقيل، لأنني شعرت أنني أظلم الكبرى».
إذا وضعنا شريحة الميسورين جانباً، وركّزنا على الطبقة الفقيرة نجدها لا تناقش في أحقيّة الأرقام الكبيرة التي تطلبها المدارس، ولا تسأل عن شرعية الموازنات، باستثناء سؤال واحد يشغلها: «كيف سنؤمّن مصاريف تعليم الأولاد إن كان أدنى الأقساط خارج قدرتنا على الدفع»؟ سؤال يطرح مجدداً طبقية التعليم ويثير مخاوف جديّة من التسرّب المدرسي وسط عائلات تحتاج إلى مصدر ثانٍ وثالث للإعالة، ولا تستطيع أن تفضّل تعليم أولادها على إشباع بطونهم.
عدا المستوى التعليمي، يتردّد بعض الأهالي في نقل أولادهم من المدرسة التي دخلوها صغاراً وكبروا فيها، فاعتادوا على الوسط الاجتماعي، من جهاز تعليمي وأصدقاء ونمط حياة، لما لذلك من أثر على الصعيد النفسي والتربوي. ما إن سمعت دانا بنية والدها البحث عن مدرسة أخرى على خلفية رفع الأقساط من 200 دولار و12 مليون ليرة إلى 1000 دولار، «حتى انفجرت في وجهه»، تخبرنا والدتها وتنقل ما قالته الطفلة بعفوية: «اقطعوا عني المصروف، لا أريد ثياباً ولا مشاوير، أريد فقط أن أبقى في مدرستي».
البقاء في المدرسة ذاتها لا يكون في جميع الأوقات خياراً، لأن البعض «يعلق» في مدرسة نتيجة الكسورات المتراكمة من سنة لأخرى، ما يمنعه من سحب الإفادات والتوجه إلى أخرى. هذا ما حصل لخديجة، «كل سنة تتراكم الأقساط، والمدرسة لا تعفيني مما بقي لأسحب الإفادات إلى مدرسة أخرى تتناسب أقساطها مع إمكاناتي».
المصدر: الاخبار