نحن نعاني الجوع الناجم عن تراجع القدرة الشرائية لدى الأسر…إرتفاع قياسي في أسعار الزيوت والحبوب والسكر!
كتبت ايفا ابي حيدر في “الجمهورية”:
كشف مؤشر الفاو عن ارتفاع قياسي في أسعار الغذاء سجّل في خلال شهر آذار الماضي كنتيجة لتداعيات الحرب على اوكرانيا بحيث زادت الاسعار 12.6 في المئة. فكيف ستكون تداعيات هذه الزيادة على اسعار السلع الغذائية في لبنان لا سيما الزيوت والحبوب والالبان واللحوم والسكر؟ وهل نحن معرّضون للمجاعة؟
بلغ متوسط مؤشر الفاو لأسعار الغذاء (FFPI) 159.3 نقطة في آذار 2022، بزيادة 17.9 نقطة (12.6 في المئة) عن شهر شباط، محققًا أعلى مستوى له على الاطلاق منذ إنشائه في عام 1990.
وتُظهر الزيادة الأخيرة ارتفاعًا جديدًا في المؤشرات الفرعية لأسعار الزيوت النباتية والحبوب واللحوم لتبلغ أعلى مستويات لها على الإطلاق، بينما سجّل المؤشران الفرعيان لأسعار السكر ومنتجات الألبان ارتفاعًا كبيرًا أيضًا.
وبلغ متوسط مؤشر منظمة الأغذية والزراعة لأسعار الحبوب 170.1 نقطة في آذار، بزيادة قدرها 24.9 نقطة (17.1 في المئة) عن مستواه المسجّل في شهر شباط، فبلغ بذلك أعلى مستوى له منذ عام 1990.
وتُظهر هذه الزيادة خلال الشهر الحالي ارتفاعًا حادًا في الأسعار العالمية للقمح والحبوب الخشنة، بعد تراجع الصادرات من أوكرانيا.
ارتفعت الأسعار العالمية للقمح بشكل حاد في آذار، مسجلة زيادة حادة بنسبة 19.7 في المئة. كذلك ارتفعت الأسعار الدولية للحبوب الخشنة بنسبة 20.4 في المئة في آذار، مسجلة أرقامًا قياسية في أسعار الذرة والشعير والذرة الرفيعة في أعلى مستويات لها منذ عام 1990. فقد زادت اسعار الذرة العالمية بنسبة 19.1 في المئة من شهر إلى آخر وأسعار الشعير بنسبة 27.1 في المئة اعتباراً من شباط. في المقابل لم يطرأ سوى تغيير طفيف على قيمة مؤشر منظمة الأغذية والزراعة لأسعار الأرزّ خلال شهر آذار مقارنة بمستواه المسجل في شباط، وبقي أدنى بنسبة 10 في المئة عن قيمته في السنة السابقة.
بلغ متوسط مؤشر منظمة الأغذية والزراعة لأسعار الزيوت النباتية 248.6 نقطة خلال شهر آذار، أي بارتفاع قدره 46.9 نقطة (23.2 في المئة)عن مستواه في شهر شباط مسجلا مستوى قياسيًا جديدًا. وكان الارتفاع الحاد في قيمة المؤشر مدفوعًا بارتفاع أسعار زيوت دوار الشمس والنخيل والصويا وبذور اللفت. وارتفعت الأسعار الدولية لزيت دوار الشمس بشكل ملحوظ في آذار وأسعار زيوت النخيل والصويا وبذور اللفت بفعل تقلّص الامدادات وارتفاع الطلب العالمي.
وبلغ متوسط مؤشر منظمة الأغذية والزراعة لأسعار الألبان 145.2 نقطة في آذار، أي بزيادة قدرها 3.7 نقاط (2.6 في المئة) عن مستواه المسجّل في شباط، ما يمثّل الزيادة الشهرية السابعة على التوالي ويرفع المؤشر بما يتخطى مستواه المسجّل منذ عام بمقدار 27.7 نقاط (23.6 في المئة). واستمر الاتجاه التصاعدي لأسعار منتجات الألبان، مدعومًا بشكل أساسي بانحسار الإمدادات في الأسواق العالمية نتيجة عدم كفاية إنتاج الحليب في أوروبا الغربية وأوسيانيا لتلبية الطلب العالمي. وارتفعت أسعار الزبدة والحليب المجفف بشكل حاد، مدفوعة بارتفاع الطلب.
وبلغ متوسط مؤشر منظمة الأغذية والزراعة لأسعار اللحوم 120.0 نقطة خلال شهر آذار، أي بارتفاع قدره 5.5 نقاط (4.8 في المئة) عن مستواه المسجل خلال شباط، فسجّل بذلك أيضًا أعلى مستوى له على الإطلاق.
كما بلغ متوسط مؤشر منظمة الأغذية والزراعة لأسعار السكر 117.9 نقطة في آذار، أي بزيادة قدرها 7.4 نقاط (6.7 في المئة) عن مستواه المسجل في شهر شباط، الأمر الذي عكس مسار التراجع المسجّل في الأشهر الثلاثة الماضية، فبلغ مستويات تخطت بنسبة 20 في المئة تقريبًا تلك المسجّلة في الأشهر ذاتها من العام الماضي. انّ التقدم الجيد المحرز على مستوى الحصاد وتوقعات الإنتاج المواتية في الهند، وهي مصدِّر رئيسي للسكر، قد ساهما في الحد من ارتفاع الأسعار ومنع حدوث زيادات شهرية أكبر.
في هذا الاطار، فَنّد رئيس نقابة مستوردي السلع الغذائية هاني بحصلي الاسباب الرئيسية التي ادت الى هذه الزيادات، فقال لـ«الجمهورية» ان «جزءا كبيرا من ارتفاع اسعار السلع عالميا أتى نتيجة جائحة كورونا والاقفال العالمي الذي استمر عامين، قبل ان تأتي الحرب على اوكرانيا والتي ادت الى ارتفاع اضافي في الاسعار. ويظهر من خلال الرسم البياني المُرفق كيف ان مؤشر الاسعار ارتفع في الفترة الممتدة من 2020 الى نهاية العام 2021 من 100 الى 130 نقطة قبل ان يعود ويرتفع مع بدء الحرب على اوكرانيا من 130 الى 160 نقطة، ما يعني انه خلال سنتَي كوفيد زادت الاسعار بمعدل 30% لتعود وتزيد بالنسبة نفسها في ظَرف شهرين فقط بسبب الحرب على اوكرانيا». أضاف: «ان تداعيات حرب اوكرانيا كانت كبيرة جدا لأنها أتت في ظل اقتصاد عالمي مترنّح، ناهيك عن انه ثبت ان اوكرانيا هي خزان العالم في القمح وتصدّر ما لا يقل عن 60% من القمح العالمي.
أما عن تداعيات هذه الأزمة او انعكاسها على لبنان فأشار بحصلي الى «اننا نعيش منذ ثلاثة اشهر تقريبا بثبات وهمي مُتمثّل باستقرار سعر الصرف على 23 الفا، ما انعكس اسعارا شبه ثابتة على السلع، الا اننا نخشى ان ينعكس اي اضطراب بسعر الصرف، والذي بدأ يسجل فوارق عن سعر المنصة مرتفعا امس الى نحو 25 الفا، ارتفاعات ملحوظة بالاسعار أكبر بكثير مما هي عليه اليوم».
وقال: «ان اسعار السلع ارتفعت مع ارتفاع الاسعار عالميا لكنها بقيت ضمن اطر محددة بسبب ثبات الدولار محليا»، مؤكدا انه «لن تكون هناك ارتفاعات اضافية في خلال شهر رمضان لأن المستوردين يطلبون المواد الغذائية قبل 4 اشهر من بدء شهر رمضان»، موضحا ان «التجار يرفعون اسعارهم للمحافظة على رأسمالهم علما ان البعض منهم يفضّل ان يبيع كما اشترى على ان يرفعها متى استلم البضاعة الاغلى ثمناً».
ولدى سؤاله اذا كانت الاسعار ستزيد بعد رمضان؟ قال: «انا لا ارى اي زيادة مرتقبة على الاسعار لأنّ السلع التي ارتفعت اسعارها عالميا سبق ان ارتفع سعرها في السوق المحلي مثل الزيوت والحبوب، بما يعني ان السوق العالمي والسوق الداخلي تفاعلا مع الارتفاعات التي حصلت».
وتوقّع بحصلي ان تسجل اسعار الالبان عالميا (حليب زبدة سمنة البان واجبان) قفزة جديدة في المرحلة المقبلة، كذلك اسعار الزيوت طالما لم تنتهي الحرب بعد، فيما يتوقع ان تحافظ اسعار الحبوب على استقرارها.
هل لبنان معرّض للمجاعة؟
ولدى سؤاله اذا كان لبنان معرّض لمجاعة؟ أوضح بحصلي انّ «هناك فارقا كبيرا بين مجاعة وجوع، فنحن غير معرضين للمجاعة كما يحصل في بعض الدول الافريقية والناجمة خصوصا عن حصار سياسي، الامر غير وارد مطلقا في لبنان، انما الاصح نحن نعاني الجوع الناجم خصوصا عن تراجع القدرة الشرائية لدى الأسَر».
وعمّا اذا كان النقص في السلع الغذائية مرشّح للتفاقم في المرحلة المقبلة مع استمرار الحرب وعدم القدرة على تجديد زراعة المحاصيل؟ قال: «بصورة عامة لا احد يعلم ما وضع حقول اوكرانيا بينما روسيا لا تزال تُنتج»، متوقعاً ان تحصل اعادة تموضع في الاستيراد وتأمين الغذاء العالمي منها، مثل الهند التي اعلنت مؤخرا عن استعدادها لتلبية النقص في القمح عالمياً. وتابع: لا شك ان هناك خشية من تأزم وضع السلع الغذائية عالميا بعد 6 اشهر لأن لا اجوبة واضحة منذ اليوم اذا كانت ستزرع المواسم في حينها؟ صحيح انه لا يزال من المبكر التكهّن بالمرحلة المقبلة، لكن هناك اسئلة مشروعة مثل: ما هو وضع محاصيل بذور دوار الشمس والقمح في اوكرانيا؟ هل استعدّت البلدان البديلة الى زرع القمح ودوار الشمس بكميات أكبر لتغطية النقص العالمي؟
المصدر: الجمهورية