ليس كلّ الهاربين #”فقراء”: مأساة حامل وأختها وأطفالهما من #طرابلس… “أين الجثث، نريد دفنها؟!”
ليست أوّل مأساة #طرابلسيّة في البحر، ولكنّها الأشدّ مقارنة بسابقاتها، والأمر لا يرتبط فقط بالعدد الذي تجاوز 30 مفقوداً، فلكلّ روح معاناة قتلتها كأنها قتلت الانسانية جمعاء، غير أنّها حقيقة جديدة تكشفها هُويّة الضحايا: ليس كلّ من يهربون بالبحر “فقراء”، فـ”وضعهم مقبول، لكنّهم قرروا المجازفة لأنّه لا أفق للأطفال في لبنان”، هذا ما تقوله نسيبة الضحيّة مهى مرعب (28 سنة)، وهي حامل ركبت القارب مع طفلتها ليا ضنّاوي، وشقيقتها حنان مرعب (32 سنة)، الأم للطفلين يوسف وريماس الجمل. نجا من المجموعة فقط زوج مهى، محمد ضنّاوي. يلازم عائلة مرعب وأهالي المفقودين سؤال “أين الجثث، نريد دفنها!”، وذلك أضعف الإيمان، بعد مضيّ أربعة أيّام على الكارثة، تخللتها محاولات بدائيّة لانتشال الجثث.
شقيق الأمّين الشابّتين، مظهر مرعب، ينقل عبر “النهار” غضبه من “الاستهتار الفادح بالضحايا، من دولة قتلتهم مرّتين”، مجدّداً مطالبته بـ”الكشف عن الباخرة، وانتشال جسمها من المياه. أنا واثق من أنّ جثث حنان ومهى والأولاد عالقة في غرفة بداخل المركب، وكانت مجموعة من النساء والأطفال بداخلها. لكن فرق الإنقاذ لم تبحث في أعماق البحر، وتكتفي بتحرّي سطحه. المركب عالق في عمق 400 متر على الأقلّ. لماذا لم يستعينوا بآليّات متطوّرة من الخارج، أو أيّ فرق أجنبية تملك المعدّات اللازمة؟ لكننا نعلم أنّ وجعنا لم يكن يوماً من وجع هذه الدولة. لم تنصفنا ونحن أحياء، فهل ستكترث لأمرنا بعد موتنا؟”.
وحسب مظهر، تقاضى شخص من آل دندشي مبلغاً بقيمة 7500 دولار لييسّر هروبهم، الأمر الذي يناقض رواية بعض الناجين عن دفع مبلغ 1000 دولار. ولا تزال الروايات غير مضبوطة، بسبب تولّي ثلاثة سماسرة التهريب، ألقي القبض على واحد منهم من آل حموي، ولا تزال التحقيقات معه جارية للكشف عن كافة تفاصيل رحلة الموت.
وردّاً على سؤال، يشير الأخ إلى أن المبلغ المدفوع كان يخوّلهم تغطية رحلة نظامية بالجوّ إلى تركيا، لكنهم لم يستطيعوا تجديد جوازات سفرهم، وهم يعلمون أنهم لن يحصلوا على فيزا لدخول ألمانيا، التي كانت أملهم باللجوء.
نسرين مرعب، ابنة خال الأمّين الضحيتين، تؤكّد رواية الأخ، وتضيف “كانت حنان ومهى تردّدان أن لا أفق لمستقبل الأطفال، وكانتا تعقدان النيّة على ركوب البحر لأجل الأطفال. لم تودّعا أحداً، كان الزوجان فقط على علم بالأمر”.
وبحسب النسيبة، “وضع الأسرتين مقبول والمدخول مستقرّ نسبياً. هم مثل السواد الأعظم من سكّان منطقتنا القبة، لا يعيشون بحبوحة ولكن تدنّت قيمة معاشات الزوجين”، و”كان زوج حنان يريد اللحاق بهم ريثما يصفّي أعماله”، إشارة إلى أن الضحيّة حنان خرّيجة محاسبة، وكانت تعمل بشكل متقطع.
أما مهى، فباعت كلّ الحليّ والذهب الذي تملك وباع زوجها سيارته، ويعمل الأخير في الأمن.
يمكن أن يُقرأ في النموذج المأسوي للشقيقتين مهى وحنان مرعب، دقٌّ لناقوس خطر حول استجداد هجرة نظامية لأسر لبنانية كانت مستقرة، لكنها تنزلق تحت خطوط الفقر والمجهول على نحو يدفعها لركوب زوارق الموت، مثل غالبية عائلات هذا المركب من سكان منطقة القبّة التي تُعدّ حتى سنوات قريبة نواة للعائلات ذات الدخل المحدود لكن المتوسط في طرابلس… خطّ الفقر “ينزاح” من التبانة، جارة القبة، وإذ حصد عشرات الضحايا في “قارب الموت” الأخير، لعلّه سيبتلع بعد سنوات مدينة بأسرها، ولن تجد من يهيل فوق جثثها التراب، هذا إن اكترث أحد لانتشال الجثث!