#الحرّ #صيفاً له حلّ واحد: “النوم على البلاط”…في #الليلكي: موظفة طلبت من صاحب #المولد تركيب #عدّاد أكثر من مرّة “ما دفعه لتهديدي بقطع الخط فبادرته بطلب القطع”…#مولّدات الضاحية تعيد حساباتها: نعم #للعدّادات
كتب فؤاد بزي في “الأخبار”
لن تَعرف حجم الأزمة التي تمرّ بها العائلات اللبنانية إلّا في حالة من اثنتين، إمّا أن تدخل إلى البيوت وتعاين ما بقي فيها من أيام الـ1500 ليرة أو أن تمشي في الأحياء بعد هبوط الليل. والمشهد الثاني أكثر إنباءً وأقلّ إحراجاً. يمكنك أن تعدّ المنازل ذات الضوء الخافت جداً كأنفاس اللبنانيين المخنوقة، لدرجة أنّ صوت الأنين لم يعد يُسمع. هذه المنازل قرّرت التخلي عن الكهرباء بعد سقوط الشبكة الرسمية ووصول سعر الأمبيرات الخمسة إلى أكثر من راتب موظف. هذا لو لم يطلبها صاحب المولّد بالعملة الأجنبية وكأنّنا نعيش في مانهاتن لا الضاحية الجنوبية.
لماذا المواربة والقول إنّ التيار الرسمي (كهرباء الدولة) ما زال حاضراً؟ كلّا، هذه الشبكة سقطت منذ أن أُطفئت المعامل كلّها باستثناء دير عمار والزهراني اللذين يعملان جزئياً بـ”حسنة” الفيول العراقي، والحلول اليوم تدور كلّها حول البديل أو كيفية الاستفادة من الشبكة “الزومبي” أو ما تبقّى منها من محطات تحويل وأعمدة.
الطاقة اليوم ليست وجبة “ديليفري” يمكن الاستغناء عنها واستبدالها بالـ”برغل”، بل هي حجر زاوية في الحياة الكريمة. هذه الحاجة الأساسية للعالم المعاصر التي عبرها يُقاس تقدّم الشعوب وتأخّرها، إما مقطوعة قسرياً أو أصبحت خارج قدرة العائلات على الدفع، والنتيجة واحدة: لا كهرباء، بيوت مظلمة، الطعام فيها يومي لا يمكن حفظه، دروس الأولاد نهاراً فقط، والحرّ صيفاً له حلّ واحد: “النوم على البلاط”.
القطع أسهل من الدفع
في أحد أحياء منطقة الليلكي في الضاحية الجنوبية، عند التدقيق في علب القواطع الكهربائية تلاحظ مباشرةً تدني عددها، وعند الاقتراب أكثر تجد أنّ معظمها من فئة 2.5 أمبير، أي أقلّ الممكن.
يتكرّر المشهد في معظم أحياء الضاحية الجنوبية، حيث المولّدات لا تزال تعتمد نظام “المقطوعية” في توزيع الاشتراكات. هذا النظام يجعل من صاحب المولّد آمراً ناهياً لناحية ساعات التشغيل والبدل المطلوب دفعه عند نهاية كل شهر. أمّا العائلات التي لم تجد أحداً يساندها في محنتها اليوم فكان أمامها عدة حلول أسهلها وأصعبها في آن: القطع. وهكذا كان حال ندى موظفة وزارة الطاقة التي فضّلت العيش على العتم على أن تدفع كلّ راتبها بدل اشتراك كهربائي. تقول إنّها “طلبت من صاحب المولد تركيب عدّاد أكثر من مرّة “ما دفعه لتهديدي بقطع الخط إذا استمررت في الشكوى، فبادرته بطلب القطع”.
نحو العدّادات دُر
لو تُرك الأمر لأغلب أصحاب الاشتراكات لما رُكّبت العدّادات أبداً، ولكن تفضيل الناس العتم على الدفع الظالم لمبالغ تفوق استهلاكهم الشهري كان الدافع وراء الهجمة المستجدّة على تركيب العدّادات في العديد من أحياء الضاحية الجنوبية.
عودة العدّادات انسحبت على عدد من الأحياء في الضاحية الجنوبية، منها، المعمورة والمريجة والشويفات وللأسباب نفسها، عدم القدرة على الدفع والإجحاف في ساعات التغذية، الأمر الذي دفع الناس للاعتقاد أنّ الاعتراض يُجدي ولو بعد حين. هذه الصورة الأخيرة لا يمكن تعميمها، فهناك بيوت بقيت من دون كهرباء لأكثر من ثلاثة أشهر متتالية مرّت فيها أزمات فيول غيّبت ساعتَي التيار الرسمي أيام عديدة. وهذا الغياب لا يعود محمولاً عندما يرتبط بالمياه التي لا يمكن سحبها إلّا عبر مضخات تعمل على الخطوط الثلاثية، وعند طلب الاستعانة بمولّدات الأحياء لتشغيلها طالبوا بمبالغ وصلت إلى حدود المليون ليرة عن كلّ يوم تشغيل! “ما الحل” يقول أحد سكان منطقة المريجة، “دفعنا لتعبئة خزاناتنا لنتمكن من استخدام الحمامات فقط”. هذه المعاناة دفعت عدداً من العائلات لترك الضاحية نهائياً والتوجه صوب القرى مع بداية فصل الصيف، فهناك “فينا نحكي صاحب المولّد إذا ما عجبنا” تقول سيّدة.
نائب رئيس اتحاد بلديات الضاحية الجنوبية علي سليم يرى الأمور من منظار آخر، “وجود العدّاد هو الأساس لا العكس”. ويعيد الفوضى المنتشرة في أحياء الضاحية إلى “قرار وزارة الاقتصاد الأول عام 2014 الذي شرّع للمقطوعة بطلب من المشترك غير الراغب بتركيب العدّاد”. ولكن على الأرض، الحال كان: “ما يريده صاحب المولّد الذي يفضّل المقطوعة على العدّاد”. ويشير سليم إلى أنّ “العودة إلى العدّادات الآن أتت لأسباب تقنية ضمن صيغة رابح- رابح بين المشترك وصاحب المولّد. العدّاد يفرض على المشترك برمجة مصروفه اليومي، ما يعني بالتالي حملاً كهربائياً أقلّ على المولّدات، فمصروف مازوت خفيف وتكاليف أقل على صاحب المولّد. وعدم التزام هؤلاء بالتسعيرة الرسمية الصادرة عن وزارة الطاقة أو اتحاد البلديات يساهم في تكبير هامش الربح”. ولكن بالنسبة إلى المشترك يضيف سليم: “تبقى الأمور أكثر رحمة من المقطوعة التي وصلت الشهر الماضي إلى ثلاثة ملايين ونصف مليون لكلّ 5 أمبير، ومرشحة شهرياً للارتفاع”
وللإجابة على السؤال: ماذا نفعل مع غير الملتزمين بالتسعيرة من أصحاب المولدات؟ يقوم سليم بتصنيف المخالفات إلى جزءين: صغيرة لا يشتكي الناس منها، وكبيرة ترفع الصوت، عندها “يقوم جهاز الشرطة في البلديّة المعنيّة بتنظيم محضر ضبط وإرساله إلى وزارة الاقتصاد. هنا ينتهي دورنا ويأتي دور القضاء الذي يفرض في بعض الأحيان غرامات غير رادعة على أصحاب المولّدات بسبب أرباحهم الكبيرة، فمبلغ الـ50 مليوناً كغرامة لا يعني شيئاً لهم”.
ويلفت إلى “عدم قدرة البلديات على تسلّم المولّدات في الضاحية بسبب المسؤوليات الكبيرة التي ستوضع على عاتقها”، مشبهاً الأمر بمهام الحارس القضائي المسؤول عن تشغيل المولّد وصيانته. ويضيف: “ليس لدينا الجهاز البشري المؤهّل لهذه المهمة على مستوى الضاحية كلّها”. ويختم بالقول: “مصادرة المولّدات، كلمة سهلة التطبيق في القرى حيث لا يزيد عدد المشتركين عن الخمسمئة في أحسن الأحوال بعكس الضاحية الجنوبية، إذ يُقدّر عدد المشتركين فيها بنحو الـ 110 آلاف بحسب آخر دراسة”
منافسة الطاقة الشمسية
تحقيق شيء من الاستقلالية على مستوى الطاقة تمّ بواسطة الألواح الشمسية. هذه التقنية ساهمت إلى حدّ كبير أيضاً في التخفيف من سطوة أصحاب المولدات في الأحياء مع خروج المزيد من البيوت التي اعتمدتها من شبكاتهم الاحتكارية.
وهنا يؤكد سليم أنّ “التكلفة على المدى البعيد ترجح كفة الطاقة الشمسية على أي مصدر ثانٍ للطاقة”. تبلغ كلفة الكيلوواط ساعة المنتج من الطاقة المتجددة 10 سنتات إذا كان الاستثمار لمدة 10 سنوات. بينما خطة وزارة الطاقة تقضي بتسعير الكيلوواط ساعة بـ27 سنتاً بالإضافة إلى 9 دولارات (اشتراك ثابت). هذا يعني أنّ تكلفة فاتورة المنزل الشهرية في حال استهلك 100 كيلوواط ساعة (منزل لا يستخدم أجهزة التكييف) ستناهز الـ 36 دولاراً (مسعّرة على منصة صيرفة).
المصدر: الأخبار