مصرية اتهمت أستاذتها الجامعية بالغباء.. فأصبحت عالمة فيزياء! من هي هذه المصرية؟

مصرية أصبحت عالمة فيزياء.. تعرّف على قصة إلهام فضالي
تمتلك مصر نماذج ملهمة في شتى المجالات. تمنح تلك النماذج المصريين وغيرهم أملاً ويقيناً ليصدقوا أحلامهم، وأنهم سيصلون إليها حتماً يوماً ما، فتجدهم يتابعون أخبار النجم محمد صلاح ومبارياته وأهدافه ويتبادلون قصص طفولته وحياته ومعاناته.
قبل ولادة صلاح ببضعة أشهر، ولدت فتاة مصرية ملهمة أخرى خاضت مسيرة عظيمة في أوروبا وأمريكا وحققت إنجازات يشار لها بالبنان، ولا أبالغ حينما أقول أنها أكثر تجربة ملهمة لفتاة مصرية عرفتها في حياتي، رحلة شاقة كتبت فصولها فتاة صعيدية كان لها من اسمها نصيب.. اسم على مسمى فعلاً. إلهام.
إلهام محمد توفيق فضالي هي بطلة رياضية سابقة وعالمة مصرية وشخصية استثنائية بكل ما تعني الكلمة من معنى، حققت إنجازًا علمياً غير مسبوق وسيغير وجه التكنولوجيا في المستقبل، نشرت بحثها عن الاكتشاف الجديد في نيتشر Nature أشهر وأقوى المجلات العلمية، وحصلت على جائزة السبق العلمي في الفيزياء عام 2020 من مجلة فيزياء العالم (PHYSICS WORLD) التابعة لمعهد الفيزياء في المملكة المتحدة وايرلندا وهو نفس المعهد الذي حصلت منه على جائزة الباحث الشاب في علوم النانو تكنولوجي لنفس العام.
وحصلت كذلك جائزة أفضل فكرة تكنولوجية إبداعية عام 2020 من المجلة التكنولوجية الهولندية KIJK وجائزة السبق العلمي في مجال العلوم التطبيقية للعام 2021 من مؤسسة Falling Walls بألمانيا.
ثم حصلت على جائزة أفضل رسالة دكتوراه في جامعة آيندهوفن في هولندا. كل تلك الجوائز لم تأت من فراغ.
احتفت وسائل الإعلام المصرية والعربية والعالمية بإلهام فضالي وانجازاتها، لكنني اليوم أقدم على جزأين حكايتها من زوايا أخرى. أتطرق إلى تفاصيل وحكايات وصور ترصد معاناة حقيقية تنشر لأول مرة، نعرف من خلالها من هي العالمة المصرية إلهام فضالي عن قرب، وكيف وصلت إلى ما وصلت إليه وما الصعوبات التي واجهتها والنجاحات التي حققتها هذه العالمة الملهمة؟ ماذا عن مسيرتها الرياضية والتعليمية والتطوعية والبحثية؟ كل تفصيلة في هذه المسيرة تدعو للفخر.
حادث مأساوي
أبدأ من حيث النشأة. ولدت إلهام محمد توفيق فضالي في 9 سبتمبر عام 1991 (31 سنة) بمدينة بني سويف لأب يعمل محاسباً بالبنك الأهلي وتعود جذوره إلى قرية بني مؤمنة مركز ببا، وأم تعمل محاسبة ببنك ناصر الإجتماعي وتعود جذورها إلى قرية النويرة بمركز إهناسيا بنفس المحافظة بني سويف.
يوم 11 يوليو عام 1991 كان والدها هو وخمسة من زملائه في زيارة لزميل مريض بأحد المستشفيات بالقاهرة، في الطريق تعرضت سيارتهم لحادث وغرقت بترعة الإبراهيمية في منطقة مركز الواسطى ببني سويف قرب قرية “زاوية المصلوب”، كان حادثاً مأساوياً وحزيناً على المحافظة بأسرها. كان الأب وقتها يبلغ من العمر 35 عاماً والأم 29 عاماً.
وقت وفاة الأب الذي يكبر الأم بست سنوات، كان لديهما طفل عمره ثلاث سنوات اسمه أحمد، بينما كانت هناك طفلة بين أحشاء الأم لم تولد بعد. وضعتها الأم “أمال كساب” بعد شهرين من الحادث، وكان الأب قبل رحيله هو من اختار اسم “إلهام”، نسبة إلى جدتها لأمها.
وهبت الأم حياتها لطفليها لتكتب هي الأخرى مسيرة كفاح وعطاء عظيمة لأم وسيدة مصرية عظيمة.
الإبتدائية والتمثيل
في المرحلة الابتدائية، درست “إلهام”بمدرسة الراهبات الفرنسيسكانيات ببني سويف وهي مدرسة عريقة، وكانت وقتها طفلة خجولة، فقررت الأم في ذلك الوقت أن تشركها في كل الأنشطة المدرسية وأن تدفعها لممارسة الرياضة بنفس قدر اهتمامها بالتعليم لتخرج الطفلة من عزلتها.
شاركت ”إلهام“ في تقديم الإذاعة المدرسية وفي قراءة آيات القرآن الكريم في طابور الصباح، وحصلت على النياشين الحمراء بعد تفوقها الدراسي في امتحانات آخر العام طوال سنوات المرحلة الابتدائية. كما شاركت في دور “زكية” الخادمة اللعوب في مسرحية أعدتها المدرسة بمناسبة مرور 100 عام على إنشائها.
من هي المصرية التي اتهمتها أستاذتها الجامعية بالغباء فأصبحت عالمة فيزياء؟
إلهام خلال مشاركتها في مسرحية بالمرحلة الإبتدائية
رغم نجاحها ووصولها للعالمية، إلا أن بنت بني سويف الصعيدية الأصيلة، لا تنسى حتى اليوم زيارة معلميها وأصحاب الفضل في مراحلها الدراسية المختلفة. تذكرني بأسماء المدرسين الذين تركوا بصمة في حياتها في المرحلتين الإبتدائية والإعدادية وهم الأساتذة إيمان صلاح ومحمود العمري ومحمد عمر وأحمد محمود.
الموسيقى والبيانو والخط العربي
لاحظ محمود العمري مدرس اللغة العربية في الإبتدائية تميز إلهام في الخط، فنصح الأم بمنحها دروساً في الخط العربي لصقل موهبتها. تم ذلك على يد أستاذ عبدالسلام الذي تولى تعليمها خط الرقعة والنسخ. كانت تكتب بهما أبيات الشعر وآيات القرآن وتقلد عناوين جريدة الأهرام بخط يدها ثم يبروز جدها لأمها ما تكتبه ويعلقه على الحائط.
تقول لي خلال حديثي معها: “أنا أحب الشعر العربي والموسيقى الشرقية وكل ما يتصل بهما. بداية معرفتي بالموسيقى كانت عندما كنت أتعلم العزف على البيانو في ابتدائي، بدأت أتعرف على أم كلثوم ونشأتها ونبوغها منذ صغرها من وهي صييته في الموالد في الدلتا حتى وصلت لأن تكون سيدة الغناء العربي. من هنا تعرفت على مزيكا وإنشاد الشيخ زكريا أحمد، والشيخ أبو العلا محمد، وأحببت مزيكا القصبجي والسنباطي وزكريا أحمد وشعر رامي وبيرم التونسي وغيرهم، وطبعا عبد الوهاب.” تخيل طفلة بهذه العقلية والنضج!.
في أجازة الصيف، كانت إلهام وشقيقها أحمد يذهبان بصحبة الأم إلى قصر ثقافة بني سويف الذي تعرضلحريق هائل عام 2005 أودى بحياة 50 شخصاً. في نفس المكان كانت إلهام تتعلم الرسم والنحت على المعادن من الألومنيوم والنحاس، وكانت تنحت الآيات القرآنية بخطها العربي المميز، وكان جدها عليه رحمة الله، يشتري لها رقائق النحاس وغيرها من أدوات النحت والرسم من القاهرة لعدم توفرها في بني سويف.
من هي المصرية التي اتهمتها أستاذتها الجامعية بالغباء فأصبحت عالمة فيزياء؟
بعض الخطوط بيدها وتلوينها وتوقيعها باسم هيرو أي بطل بالانجليزية
الأولى على الإعدادية
تركت إلهام مدرسة الراهبات الخاصة، وذهبت إلى مدرسة الصفا الإعدادية بنات وهي مدرسة حكومية. كان المصححون يتعرفون على ورقة إجابتها في كنترول الامتحانات بسبب خطها المميز واستعانتها بأبيات الشعر في موضوعات التعبير. خاضت منافسات مسابقة الطالبة المثالية خلال الإعدادية ووصلت إلى التصفيات النهائية على مستوى مصر بمحافظة الإسكندرية وحصلت على المركز الرابع.
في امتحانات الشهادة الإعدادية، حصلت على المركز الأول على مستوى محافظة بني سويف، وكانت في جعبتها 4 درجات من التفوق الرياضي لكنها لم تضف إلى مجموعها حتى لا يتجاوز المجموع الدرجة النهائية. فما قصة تفوقها الرياضي وكيف حصلت على هذه الدرجات؟!
للحديث بقية.. في الجزء الثاني نعرف ماذا حدث بعد الإستقالة وحكاية أستاذتها الجامعية التي اتهمتها بالغباء وكيف ردت عليها وتفاصيل أخرى عن المشكلات التي واجهتها ومن ساعدوها ومن أحبطوها ودور الأم في حياتها وقصصها مع الحجاب في مصر وأوروبا.