بين نفق #الناقورة و”#كاريش”.. ظهورنا #محمية و #الخيارات مفتوحة
عبد الله ذبيان – الميادين
في برهةٍ.. تنفّذ طائرة الهليكوبتر دوراناً منخفضاً فوقنا ليتأكّد جنود “اليونيفل” من اسم المركب، ونلمح برج مراقبة للجيش اللبناني، وإلى جانبه برجٌ صغير.. هنا ندرك أن عيوناً ساهرة تراقب، فيقول مدير مركز الغوص:”لولا لم تكن ظهورنا محمية لما غطسنا ولما غصنا”.
إذا كانت المسافة بين مقر قناة الميادين في بيروت وعاصمة فلسطين القدس 232 كيلومتراً فإنها تتقلّص بين الناقورة والحدود الفلسطينية المحتلة، إلى قرابة كيلومتر واحد، أمّا بينها وبين القدس فالمسافة تبلغ نحو 180 كيلومتراً براً، فيما تبعد الناقورة عن حقول الغاز نحو 10 كيلومترات.
فريق “الميادين نت” وفي ظل أجواء انتصار تموز 2006، وبعد الحصول على تصريح من الجيش اللبناني وقوات “اليونيفل” قصد منطقة الناقورة، نقطة الالتقاء بين لبنان وفلسطين في أقصى جنوبي لبنان، وعلى متن مركبٍ تابع للمركز اللبناني للغوص، قطعنا المسافة بحراً بين مدينة صور الساحلية والناقورة البياضة.
مفاجأة من داخل المغاور
للمكان رهبة! فالقادم إليه يشعر بسكونٍ مقيم، من البحر إلى الصخر في الناقورة، يقول مدير المركز الغواص العالمي يوسف الجندي، “هناك صخور مميزة تمثّل نموذجاً بيئياً قلّ نظيره على طول الشاطئ اللبناني الذي يمتد بطول 246 كيلومتراً، فقد نحتتها العوامل الطبيعية من رياح وأمواج على مدى عقود زمنية طويلة، فضلاً عن مغاور مهمة، ما أدى إلى تكوين النواقير داخل الجبال المحاذية للساحل، مثل المغارة التي سميت “مغارة الأنين”.
والناقورة مكان مناسب للغوص النظيف والنقي تحت الماء، وللنادي اللبناني للغوص جولات يومية في هذا المكان المتميز بصخوره ومغاوره التي تسكنها الحيوانات البحرية الجميلة والسلاحف صديقة الغواصين، وفعلاً فقد دخل غواصو مركبنا هذه المغاور، رافعين العلم اللبناني في دلالة على لبنانية ثروات المنطقة، إضافة إلى “لوغو” الميادين” من داخلها.
طائرة “اليونيفل” تستطلع
لحظات تمرّ على رسو مركبنا، قبالة مغاور الناقورة، التي تبعد من حقول الغاز نحو 10 كيلومترات، فجأة، نسمع هدير طائرة اليونيفل العمودية البيضاء،تتوجّه نحونا،يصرخ كابتن الرحلة “جايي لعنا”!
في برهةٍ، تنفّذ الهليكوبتر دوراناً منخفضاً سريعاً فوقنا ليتأكّد جنود اليونيفل من اسم المركب، ونلمح برج مراقبة للجيش اللبناني في الجبل المطل، وإلى جانبه برجٌ صغير.. هنا ندرك أن عيوناً ساهرة تراقب، فيقول الجندي “لو لم تكن ظهورنا محمية لما غطسنا ولما غصنا أو سبحنا هنا”.
نكاد نجزم بأننا لم نعرف خلال إبحارنا شيئاً حول تحليق مسيّرات المقاومة فوق حقل “كاريش”،لكن عنفوان الجنوبي وثقته بقدرات المقاومة يجعلان حدثاً كهذا وارداً في أي لحظة.
الشاب ميراز نبهاني الذي يقصد المنطقة مع أترابه للسباحة والغوص، يقول للميادين نت “: أشعر بقرب القدس مني، وأنا واثق أننا سنطأ أرضها يوماً، وأنا مطمئن إلى أن العدو جبان، وحينما تقرّر المقاومة دخول هذه الأمتار القليلة نكون في الجزء المحتل من الناقورة الفلسطينية”!
الصياد، الفلاح، العامل، ربّة المنزل، جميعهم يعيشون حياتهم الطبيعية على الرغم من الوضع المالي المتأزم، بخلاف ما آل إليه وضع المستوطنين على الحدود بعد الانسحاب الإسرائيلي من لبنان عام 2000، على الرغم من محاولة الجيش الإسرائيلي توفير جميع مقوّمات الحياة حتى الترفيهية منها.
“إلى فلسطين” عبارة تطالعنا على لوحة حديدية في أقصى نقطة في البلدة التي يقع فيها مقر قوات “اليونيفل”، فتدغدغ فينا حنيناً إلى بوصلتنا جميعاً …
خط الحجاز الحديدي
الكثيرون لا يعرفون “خط النقل السياحي العربي” قبل نكبة فلسطين عام 1948، فالأخير كان يمر عبر مدن جدة والكويت وبغداد وعمّان ودمشق وبيروت والقدس ورام الله ونابلس وعكا وحيفا وغزة والقاهرة… ومن لبنان كانت بلدة جميلة تشكّل نقطة الالتقاء بين لبنان وفلسطين هي الناقورة في أقصى جنوبي لبنان.
وبقايا الخط الرئيس الذي شيّدته بريطانيا من حيفا إلى بيروت وطرابلس في لبنان (افتتح عام 1942 وأغلق عام 1945) في عام 1959، تمّ اقتراح هذا الطريق المهم الذي يخترق قاعدة الجرف الأبيض كخط سكة حديد بعد الحرب العالمية الثانية بين أفريقيا وأوروبا.
“لبنان سيستعيد النفق”
وهناك نفق لسكة حديد يمتد مئات الأمتار في الأراضي اللبنانية طوله 695 متراً والأرض المحيطة به 1800 متر مربع، ويمكن الاستثمار فيه.
كانت بوابة دخول وخروج من فلسطين منذ العصور القديمة. وأهم عبور عبر التاريخ كان عام 333 قبل الميلاد حين دخل الإسكندر الأكبر فلسطين من خلال منطقة رأس الناقورة.
وعمد الاحتلال الإسرائيلي إلى الاستيلاء على جزءٍ من نفق رأس البياضة في منطقة رأس الناقورة.
ومنذ فترة واكبنا زيارة وزير الأشغال العامة والنقل اللبناني علي حمية إلى المكان، حيث أكد أن لبنان “سيستعيد آخر شبر محتل من هذا النفق”.
فهل يُعيد التاريخ نفسه ويكون نفق الناقورة معبر الاستثمار اللبناني في الجنوب وبوابة العبور إلى فلسطين؟
المهلة ستبقي “إسرائيل” فوق صفيح ساخن
الخبير والمحلل الدكتور علوان أمين الدين مؤسس ومدير مركز “سيتا” قال لـ “الميادين نت” إن المهلة التي أعلنها الأمين العام لحزب الله “هي امتداد لمواقف سابقة أعلنها حزب الله، وقد أتت في وقت يجري فيه العمل لـ”تركيع” لبنان بفرض حصار اقتصادي غير مباشر وعقوبات اقتصادية أميركية.
“في اعتقادي، هي رسالة لإعادة التفكير، داخلياً، فحثّ الحزب حلفاءه على توقيع المرسوم 6433 وتثبيت الحدود البحرية بحسب قواعد اتفاقية قانون البحار لعام 1982، أي الخط 29. وخارجياً، هما “عكر المياه” لدى الطرف الآخر من أجل ايجاد حلول جادة لهذه المسألة”. يوضح أمين الدين.
ويؤكد أن “إسرائيل” لا تعرف سوى لغة القوة من هنا، فإن عمليات استخراج الطاقة – بالعموم – تحتاج إلى بيئة هادئة ومستقرة، خصوصاً وأن الشركات المتخصصة في هذا القطاع ستنفق أمولاً ضخمة، حيث أن القاعدة تقول بأن كل شخص موجود على المنصة البحرية يحتاج ما بين 4 إلى 5 أشخاص على البر لتأمين خدماته، بالتالي، فهي غير مستعدة لأن تعمل في منطقة متنازع عليها أو تحت تهديد مباشر، ناهيك أن سيرفع من كلفة التأمينات، وقد تضطر بعض الشركات المؤمِّنة التعاقد معها”
.ويعقّب “أمّا في مسألة المسيّرات، ففي رأيي الشخصي فقد قررت المقاومة ارسالها لتدميرها وذلك ضمن ما يعرف بـ “الحرب النفسية”، لأنه بذلك سيجعل من “إسرائيل” تعلن عن هذا… إذ أنه لا يوجد مانع من أن تكون المسيرات – في المرة المقبلة – محمّلة بمتفجرات تستهدف منصاتها.
لبنانياً، لا شك بأن هذه المسيّرات تعد نقطة قوة يمكن الاستفادة منها، ولو عن طريق المناورة. لكن الخلاف السياسي بين الأفرقاء اللبنانيين سيكون مانعاً من توظيف هذه الورقة في أية مفاوضات مقبلة بل إن بعض الفرقاء اللبنانيين يقرأونها بطريقة سلبية”.
التخبّط الداخلي فرصة للعدو
ويرى الخبير اللبناني أن “هذا التخبّط الداخلي، سيكون فرصة لـ “إسرائيل” كي تستفيد من مرور الوقت، من هنا، تأتي أهمية مهلة الشهرين التي ستبقي “إسرائيل” ” فوق صفيح ساخن” كونها ستكون على مقربة من مرحلة الإنتاج.
لكن السؤال المهم جداً هو: هل كان هدف المسيرات استخراج لبنان للغاز من حقل قانا أم تخطت ذلك لجهة تثبيت معادلة النزاع على حقل كاريش؟
من خلال السوابق التاريخية، يمكن القول بأن معادلة “ما بعد بعد كاريش” ستضع “إسرائيل” أمام مفصل مهم جداً، بحيث قد تجعلها تفكّر ملياً في تقديم بعض التنازلات.
لكن مدير مركز “سيتا” يكشف أن لبنان في وضعه الحالي، عاجز عن التنقيب والاستخراج بسبب عدم وجود رؤية واحدة تجاه هذا الملف، من هنا، قد يبدو من الصعب استقدام شركات صينية أو روسية للاستثمار، أيضاً، ومع وجود أموال طائلة للكثير من المسؤولين اللبنانيين في بنوك الخارج والخوف من توقيع عقوبات مالية عليها، يبدو أنه من المستبعد جداً إبرام عقود مع شركات لا توافق عليها الإدارة الأميركية.
كل الخيارات مفتوحة
ويشرح “المشكلة أن لبنان بدأ بخطأ فادح عند الترسم الأول، حيث اعتبر الخط رقم 1 هو حدّه البحري – ولو مؤقتاً – وذلك بعدما أوكلت هذه المهمة لوزارة الأشغال بدلاً من الجيش اللبناني، وبعد فترة تبيّن أن الخط 23 هو الخط الجديد، ثم أتى الترسيم الأخير الذي يشير إلى أن الخط 29 هو الحد النهائي.
أضف إلى ذلك، أن عدم توقيع المرسوم 6433 يعني أن رسالة لبنان إلى الأمم المتحدة تبقى ناقصة ومن دون دعم حكومي متضامن، وهذا الأمر يعد نقطة ضعف تضاف إلى النقاط الأخرى.
وينهي أمين الدين مؤكداً أن “في الحرب، كل الخيارات متاحة. المهم دولياً هو عدم استهداف المراكز المدنية. وفي إسقاط لما سبق، يمكن القول إن استهداف منصّات استخراج الطاقة في المناطق المتنازع عليها عمل مشروع لعوامل عدة أبرزها أن النزاع على هذه المنطقة لم يحسم بعد، فضلاً عن العلم المسبق للشركات المستثمرة بذلك وقبولها الاستثمار فيها.
أما المنصّات خارج تلك المناطق، فستكون تهديداً أو تعويضاً عن الأهداف المدنية التي يمكن أن تدمّرها “إسرائيل” (مثل المطار أو المرافئ أو الجسور أو البنى التحتية المهمة والحيوية) وما ستسفر عنه الاعتداءات من آثار (كبقعة النقط التي تسببت بها غارة إسرائيلية في “عدوان تموز 2006).
المصدر: الميادين