الدكتور عبد الله ذبيان
الفنّان والنحّات “أبو علي” طوّع النحاس، لا بل استخدم طريقة “التفجير” التي لا تخطر ولا تعنّ على بال، لتنفيذ لوحاته، كي تبرز ملامحها التفصيلية، وهو فاجأ الميادين في عيدها الـ12 بلوحة تجسّد شعارها مع عبارة “غدنا يبدأ اليوم”.
اتكل على الله وتميّز من عندياتك، بأفكارك وجهودك وسعيك، فما أبرع المرء المؤمن عندما يترك بصمة أينما حلّ وعمل وبذل.
أن تتميّز وتصل إلى العالمية، فهنا عُصارة التفرّد، لكن أن تكون مناضلاً مقاتلاً ومبدعاً متفانياً، فهذا جمعٌ للمجد من كافة أطرافه.
الفنان المبدع من المقاومين الجرحى الأشاوس الذي حارب في أكثر من جبهة خصّ الميادين نت بحديث حصري، وسنكتفي بإطلاق كنية “أبو علي الموسوي” عليه.
النحّات اللبناني المحترف، تجاوز مرحلة “دقّ النحاس” وطَرقه، ليصل إلى مرحلة التفرّد في دول العالم، إلى جانب نحاتة عالمية أميركية.
“أبو علي” طوّع النحاس، لا بل استخدم طريقة “التفجير” التي لا تخطر ولا تعنّ على بال، لتنفيذ لوحاته، كي تبرز ملامحها التفصيلية، من بصمات وشعر وتجاعيد ونتوءات وتجاويف!
“تدجين” المتفجرات!
بداية الفنان الشاب الذي تربّى في جوٍّ ثقافي محبّ الفن، كانت مع نحت الحجر الأبيض، وعند التحاقه بالمقاومة تنامى عنده الحس الفني، فقام بتجربة النحت على مواد أخرى، فطبع بعض المواد على قطع فولاذية.
يقول “أبو علي”: “استوحيت من تجاربي أننا نستطيع تشكيل قطع فريدة ومميزة، بواسطة المواد المتفجرة، حتى لو كانت عنيفة، واستنتجت أنها لو كانت مؤذية للبشر، فإنّ الانسان يستطيع تدجينها في مجال فنيّ معين لتصبح قطعاً فنية راقية، وبدأت بتجارب أولى على قطع صغيرة إلى أن نجحت في تنفيذ لوحات متعددة الأشكال”.
ويزخر مشغل الموسوي باللوحات التي تضم المخطوطات، والآيات القرانية والأحاديث النبوية، فضلاً عن الرسومات واللوحات، وفق طلب الناس، وتبدو هنا الدقة العالية في إظهار التفاصيل خصوصاً في تجسيد الوجوه واستخدام التلوين مع النحاس.
البصمات والشعر
“بعد عشرات المرات صارت تزبط الأمور معي”، يضيف النحات، “صرت استخدم المواد بشكلٍ منضبط أكثر وبقوالب قاسية كثيراً، وأستخدم سماكات نحاس معينة، بهدف إيصال رسالة أنّ أكثر مادة مؤذية أي المواد المتفجرة من الصواريخ والقذائف، التي تستخدم في الارهاب والقتل والعنف، نستطيع استخدامها لتنفيذ لوحات وفن راقٍ جداً، بدقة عالية لا مثيل لها”.
ويوضح “الدقة التي تعطينا إياها المواد المتفجرة لا نأخذها في العمل اليدوي، أي طَرْق النحاس بالإزميل كما هو الحال في أسواق مدينة حلب السورية أو طرابلس اللبنانية، أو حتى في النحاس الأصفهاني الإيراني، فالتفجير الذي أتّبعه يبرز حتى أدق التفاصيل مثل بصمات اليد، والشعر والجواجب وحتى الرموش”!
ويبرز “أبو علي” لنا لوحة عبارة عن صورة منشفة مع بطتين، وهنا نرى كيف برزت أدق تفاصيل نتواءات المنشفة. وهناك لوحة بالخيطان مثلاً منسوج بواسطتها اسم “فاطمة” وهي تبدو بأدق تفاصيل الخيط على النحاس بعد التفجير.
التفرّد العالمي
وبحسب أبحاثه، يوضح الفنان اللبناني أنه “لا يوجد مثيل لعمله في العالم العربي”، مشيراً إلى أنه “أمّا في العالم فما أعرفه بحسب متابعاتي، هو أنّ هنالك فنانة أميركية تمارس فن النحت بالتفجير، اسمها ايبلي روزنبيرغ ، وهي سمّت المصلحة (ديتونوغرافي) وتبيع لوحاتها الضخمة بمبالغ باهظة الثمن بين 50 إلى 150 ألف دولار”.
وفي وقتٍ يرى فيه أنّ “الشغل في هذا النوع من النحت سرّ، ونحن نتعلّم من مهارتنا وتجاربنا” ، يوضح أنّ “النحاس مادة طيّعة للنحت بعكس المعادن الأخرى، وهنا تتالق اللوحة بجمالية النحاس، خصوصاً عندما يتعتّق فيمسي أجمل”، وهناك مثل يقول: “كل ما عتق النحاس كل ما صار أجمل”.
لوحة للشهيد سليماني: وجه آخر للمقاومة
الفنان المقاوم الذي جرح في معارك الدفاع ضد الأعداء المتربصين ببلادنا، يؤكد أنه بالاضافة إلى “رسالة الدفاع عن أنفسنا بالقوة هناك رسالة ثانية، وهي أننا من خلال مواد التهديم والتفجير نستطيع عمل شي كتير حلو وقادرين نبرز فن يوازي فن المقاومة، هناك ناس تقاتل وناس تواكبهم بالفن لتبرز الوجه الحقيقي للمقاوم”.
فالمقاوم، كما يشرح “أبو علي “هو انسان حساس، لديه عاطفة وفن وثقافة وليس همجياً، كما يريد البعض تشبيهه، هو مطّلع ومنفتح، أيضاً، كاشفاً عن إعداده لوحة للفريق الشهيد قاسم سليماني جسّد فيها “رمزية كونه ثائر أممي”.
عملية التنفيذ والتفجير
نرافق النحات المتميز إلى مكان بعيد عن الناس في الطبيعة، لتنفيذ عملية التفجير بحماسة، “بعد تشكيل اللوحة على الخزف والقالب الخزفي، نقوم بعملية التفجير التي تحصل عبر مواد متفجرة عالية القوة، ونحاول تسخير الطاقة والضغط العالي الطالع من الانفجار بتشكيل المعدن باشكال معدة مسبقاً”.
“نعكف على إعداد اللوحة أولاً، عبر قصّ الكلمات والأحرف والتفاصيل التي أعدّها الخطاط، ومن ثمّ تحويل الصورة الى (فكتورات) تقصّ بالليزر أو يدوياً، ونصب عليها المادة الخزفية فيصبح لدينا لوحة سلبية”.
أولاً، “يتم ايجاد نقوش على قالب خزفي قاسي، (نقوش سلبية)، في عدة طرق منها النحت والصبّ ومن ثم نضع لوح النحاس فوق القالب ويصار إلى وضع المتفجرات على علوٍّ معي”ن. وهنا فإنّ “ضغط الانفجار يدفع لوح النحاس باتجاه التجاويف في لوح الخزف. بينما تكون المادة الوسطية بين الطبقتين هي الماء”.
تشكيل لوحة الميادين بالمتفجرات!
يكمل لـ الميادين نت شارحاً “ضغط الانفجار يدفع الماء، لتوزيع الضغط بشكلٍ متساوٍ على كل اللوحة، فتتجسّد التفاصيل وتترسّخ في تجاويف لوحة النحاس بشكلٍ دقيق”.
و”عادةً نحن نستخدم متفجرات نستخدمها في المقالع والكسارات. والعملية ليست سهلة و خطرة وهي متل الكهرباءـ أي أنّ أي خطأ أول يمكن أن يكون الخطأ الأخير”.
ومع الذكرى الـ12 لانطلاق قناة الميادين، قام المقاوم الفنان بتجسيد وتنفيذ شعار القناة بواسطة “التشكيل بالمتفجرات”، الفريد من نوعه عالمياً.
رسالة إلى العالم
وحول ما ينفذّه من لوحات يقول: “هناك ناس تفضّل أن تكون اللوحة صورة له أو صورة للعائلة، أما أنا كفنان فأفضّل الكلمات، كذلك أستخدم الألوان الزجاجية في اللوحات”.
وعن طموحاته لاحقاً يختم قائلاً: ” أنا مستمر إلى أن تصل رسالة إلى الناس والعالم. أنه “متل ما نحن منعمل شيء من مادة القتل، نقدر نوصل بنضالنا لجماليات وإبداع و”شي حلو”.
المصدر: الميادين