خاص موقع بكرا احلى

“المهم طبخة اليوم تتأمن”… اللبنانيّون يكافحون من أجل لقمة العيش ويتجرَّعون أكوابَ الذُلّ وحُمَّى الدولار طأطأت رأس الليرة اللبنانية الهَرِمة

وفاء شومان

 

في خِضَمِّ معركتنا مع الدولار أبواق السياسيين التي لا تخدم إقتصاد بيوتنا لم تعد تلقى صداها ،فالأسواق السوداء كَثُرَتْ وتشعَّبَتْ بدءاً من أكبر سوق ومتجر وصولاً إلى أصغر حانوت في زقاق قريةٍ أصبح صاحبها متلاعب ومستثمر على حساب المستهلك،فهو يحمي أرباحه ودولاراته بجملة (طلع الدولار ورفعوا الضريبة) والبعض الآخر يعيش حكايات الذلّ والفقر والجوع مع مواطنٍ فقير يسعى لتأمين قوت يومه وعائلته أو بالأحرى تأمين وجبة واحدة تَقيهِ الحاجة والعَوَز.

ها نحن أمام إنفجار إقتصادي صامت يُدَوّي بين أوساط اللبنانيين وخنقة معيشية يحاول اللبناني التعايش معها بعد أن عَجِزَ عن تحريك ساكن ينتشله من بؤسه بل أضحى يؤمن أن ما هو عليه أفضل من المجهول الآتي
وبالحديث عن تاجر ومستهلك ولقمة العيش لا بدّ من الحديث في الطليعة عن دولار السوق السوداء وزيادة الدولار الجمركي على بعض السلع .
بعد أن قامت الدولة بدولرة أسعار بعض المواد الغذائية والخضار واعتماد تسعيرها بالدولار في المحال والسوبر ماركت واختيار طريقة الدفع سواء بالليرة أو الدولار بما يتناسب مع سعر صرف دولار السوق السوداء،اتجهت أنظار ومخاوف اللبنانيين إلى كيفية تطبيق هذه الآلية لتفادي الوقوع في العجز عن تأمين الغذاء ولا بد من الإشارة إلى أن هذه الآلية بمثابة حماية للتجار وساحة لسيطرة المافيات، كما أن زيادة نسبة الضريبة الجمركية على الأصناف المستوردة ورفع سعر الدولار الجمركي إلى ٨٦ ألف ليرة لبناني يفاقم الأزمة واضطراباتها ،هذا عدا عن أن دولار السوق السودا سعره ثابت نوعاً ما مع انخفاض بسيط لكن أسعار السلع والمواد الغذائية في تزايد مستمر وهذا ما يدعو إلى الإستياء والقلق .
ووقوفاً عند خاطر المواطن المستضعف المكسور كان من الجدير بِ *بكرا أحلى* أن يسأل عن أوضاع المستهلك حول تدبيره لأموره وقدرته الشرائية وكيفية إدارته لظروفه المعيشية الصعبة. فقد عمدنا إلى الدخول لبعض محال بيع السلع الغذائية والخضار والأخذ برأي البائع والشاري ،فمن جهة تبين لنا أن بعض أصحاب المحلات يبيع على بركة الله متراحماً معهم لا يتوخّى ربحاً فوق المعقول مراعياً ظروف الناس وعدم قدرة البعض على الشراء فيكون ربحه قليلاً جداً بالمقارنة مع غيره ويبيع بعدل الله كي لا يخرج أحد من دكانه مكسور الخاطر ،وهذا قد يكون على حساب خسارته وربما يعمد في المستقبل القريب إلى الإغلاق لأنَّه يتكبَّد إضافةً إلى دفع سعر السلع لتجار الجملة يدفع أيضاً إيجار المحل الذي قد يصل إلى ٧٠ أو ٨٠ أو ٩٠ دولار وربما أكثر حسب موقعه.وهذا ولم يغب عن باله حُرقة قلب طفل يفرح بعلبة عصير (بونجيس ) فإنَّ سعرها أقل بِ خمسة آلاف ليرة (٥٠٠٠) عن باقي الحوانيت والسوبر ماركت. أما أسعار الحبوب التي تُعَدُّ لحم الفقير فحدد سعر الكيلو لكل نوع بِ ٦٠ ألف ليرة ليُتاح للجميع الإستفادة منها متناسياً بذلك شجع التجار الذين ينهشون لحمه مُتصبِّراً بمقولة ( عالقليلة بيصبرني لآخر الشهر) لأنَّه مدينٌ له بحق البَضاعةِ ، وأحياناً قد يبيع بسعر الكلفة لمن هم غير قادرين على حسب قوله :” مهم ما يطلع حدا زعلان”.
أما بخصوص البعض الآخر فإنه لا يفقه من الرحمة شيئاً ،فقد يكون الفارق بسعر سلعة ما يفوق ال ٢٥٠٠٠ ليرة لبنانية أو أكثر بحجة أن تكلفة البضاعة تخضع للغلاء الفاحش ويتذرَّعون بزيادة نسبة الضريية الجمركية لبعض المواد والسلع وارتفاع سعر الدولار الجمركي الذي وصل إلى ٨٦ ألف ليرة وعدم ثبات سعر دولار السوق السوداء الذي يرتِّب عليه أن يرفع الأسعار كي يحمي تجارته آخذاً بعين الإعتبار تكلفة المازوت والبنزين وأنه غير مُجبر أن يدفع من جيبه فيكون وبهذه العملية يكون المستهلك قد ساهم بدفع جزء من التكلفة علماً أن أسعار بعض السلع والخضار ازدادت فيما الدولار شهد نزولاً ولو بسيطاً ،فما عليه إلا أن يرفع الأسعار تحسباً لأي طارئ من هبوط حاد ومفاجئ للدولار فيتجنب الخسارة وهذا ما يُظهر لنا جشع التجار والباعة واستغلال وجع الناس في توظيفه لصالحهم برفه قيمة ثروتهم.
وفيما يخصُّ أسعار الخضار والفاكهة فكل يومٍ هي في شأن وتجار هذه الأسواق منهم من يبيع بعدل ويتوخى ربحاً قليلاً ومن من يتبع سياسة اللَّهط ولا يكتفي ،وبنظرة على نوعية الخضار والسؤال عن جودتها فإنها غير مستوفية شروط الجودة والنوعية فالتاجر في السوق يرتِّب وجه السَّحارة بفاكهة أو خضار طازجة تجذب الأنظار وتشتهيها الأنفس ويخبىّ المهترئة في سِفْلِها ،وهذا ويصل به الأمر أن يرمي الخضار في اليوم التالي في النفايات مقابل أن لا يبيعها بثمنً بخس.
أما المستهلك المعدوم فقد يرى بالخضار المهترئة كنز فإنه يفضِّل أن يبتاعها ببؤسها مقابل أن يدفع مبلغاً زهيداً ليحصل عليها، وبعض المستهلكين يعتمدون على نظام الشراء بالحبة الواحدة ( حبة بندورة،جزرة ،…) ” المهم طبخة اليوم تتأمن” .
وبعض أصحاب المحلات يبيعون معونات مقدَّمة من بعض الجهات أو الجمعيات ويقدمون من خلالها عرضاً للزبون كأن يبيعها بنصف سعرها المعروف فيكون بذلك قد كسب زبوناً بالحيلة والخداع وبالتالي فإنه يبيع بدون تكلفة .
هذا كله والقدرة الشرائية للمستهلكين تختلف طبعاً وكُلٌّ حسب راتبِهِ أو دخلِهِ أو ربما يعمل كأجير يومي وقد يكون بلا عمل يعيش على حسنات الأغنياء ونظرات الشفقة ،عدا عن الذي يدخل ليشتري شيئاً وقبل أن يدخل يسأل عن سعره وتصيبه الصدمة فيجُرُّ أذيال الخيبة ويمضي…
إنَّ دولرة الأسعار في الأسواق يفاقم الأزمة ويزيد اضطراباتها ورفع سعر الدولار الجمركي ينعكس على بعض السلع الغذائية المستوردة ويساهم في تضخيم الأسعار وزيادة الضريبة على القيمة المضافة (TVA) التي ما انفكَّت أن أصبحت ذريعة كل تاجر سواء كان صغيراً أو كبيراً للإنخراط في اللعبة والإستثمار الغير مشروع.

لا شكَّ أنَّنا أمم خطر داهم وفعلي يهدد شبكة الأمان الإجتماعية وهذا يتعارض مع مصلحة المواطن العادي لكنه يَصُبُّ في مصلحة التاجر الفاجر والزعيم الذي يقتاتُ على أوجاعنا فنحن لم نعد قادرين على تسديد نفقات احتياجاتنا من سلع وخدمات والدولار ليس لديه سقف محدد والغلاء فاحش وبالتالي غير قادرين على المواجهة فقد فَضَّلَ المواطن أن يصنع خططاً يتعايش فيها مع أزمته لِيُأَمِّن من خلالها قوت يومه والبعض يلجأ إلى أساليب ملتوية يكيد بها دولته .
كل هذا نكابده في غيابٍ تامٍّ للدولة عمّا يحدث للشعب ،ما يَنمُّ عن تزايد انعدام الأمن الغذائي ودخولنا مرحلة تُنذِرُ بخطورة أكبر .
ولا زلنا ببحثٍ مستمر عن من أوصلنا إلى القعر ؟ وما هو الخطر الجديد المحتمل وفيما إذا كان السبب يعود إلى المنظومة الداخلية الفاسدة فقط أم أنَّ إزدواجية اللعبة الخارجية/ الداخلية هي الأساس ،أم أنَّ الجفرافيا السياسية أَرْسَتْ حِملَها وضاعفت الأزمة من خلال الأزمات الدولية الأخرى ؟؟ كَثُرَتْ التساؤلات ،وتعددت الأسباب…

موقع بكرا احلى

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى